كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

بالتفاصيل فلم يحتج للسؤال عنها وأطلق جوابه بناءِ على ما عرف، من غير حاجة إلى ذكر ذلك للسائل، وذلك ما يجري عادة في الفتاوي، حيث يُطلِق المفتي جوابَه إذا علم بانطباقه على الحادثة المستفتى فيها. أما إذا تحققنا من استبهام الحال على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومع ذلك نجده أطلق جوابه فإن ذلك يحون دليلاً على جريان الحكم على التفاصيل والأحوال كلها. (¬1)
ومثال ذلك ما روته أم سلمة - رضي الله عنها - في المستحاضة. فني الموطأ: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ امْرَأَةً كانَتْ تُهَرَاقُ الدِّمَاءَ فِي عَهْدِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "لِتَنْظُرْ إِلَى عَدَدِ اللَّيَالِي وَالأَيَّامَ الَّتِي كاَنَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا فَلْتَتْرُكِ الصلاة قَدْرَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهْرِ فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ ثُمَّ لِتُصَلِّي". (¬2)
فاستدل الحنفية بهذا الحديث على أن المستحاضة إذا كانت لها عادة معلومة فإنها ترجع إلى تلك العادة مطلقاً سواء كانت مميزة -تميز دم الحيض من غيره- أم لم تكن مميزة. (¬3) ووجه عدم تفريقهم بين المميزة وغير المميزة قاعدة ترك الإستفصال المذكورة آنفاً، إذْ إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفتاها باعتماد عادتها من غير استفصال عن حالها هل هي مميزة أم غير مميزة، فدلّ ذلك على استواء الحالين في الحكم. فحكمه من غير استفصال عن حال السائلة ينزل منزلة العموم لكلتا الحالين.
وذهب الشافعية والمالكية والحنابلة إلى التفريق بين المميزة وغير المميزة. فَتَعْتَمِدُ المميزة على التفريق بين نوعي الدم، فتمسك عن الصلاة مدة خروج دم الحيض، فإذا انقطع وظهر دم الإستحاضة اغتسلت وباشرت الصلاة وغيرها من العبادات، أما
¬__________
(¬1) انظر الجويني: البرهان، ج 1، ص 237.
(¬2) الموطأ، كتاب الطهارة، باب (29)، ج 1، ص 62.
(¬3) انظر الكاساني، علاء الدين أبو بكر بن مسعود: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، (بيروت: دار الكتاب العربي، ط 2، 1402 هـ / 1982 م)، ج 1، ص 41 وما بعدها.

الصفحة 179