كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

العادةُ فَتُعْتَمَدُ عند عدم التمييز (¬1) واستدلوا على ذلك بنفس القاعدة، حيث ورد في حديث فاطمة بنت أبي حبيش أنه - صلى الله عليه وسلم - استفصل عن الحال وفرق بينهما، ففي سنن النسائي عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ دَمَ الْحَيْضِ دَمُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَإِذَا كاَنَ ذَلِكَ فَأَمْسِكيِ عَنِ الصَّلاةِ، وَإِذَا كَانَ الآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي". (¬2)
وبناءً على هذا التفريق فإن ما ورد في الحادثة الأخرى من عدم الإستفصال يُحَالُ على هذه الرواية ولا ينزل منزلة العموم.
2 - إذا سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن حكم واقعة، أو حدثت أمامه فبيّن بعض أحكامها وسكت عن أخرى، هل يدلّ سكوته عن تلك الأحكام على انتفائها؟
مثال ذلك حديث البخاري أَنَّ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ كاَنَ يَقُولُ: لَيْتَنِي أَرَى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - حِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ, قَالَ: فَبَيْنَا النبي - صلى الله عليه وسلم - بِالْجِعْرَانَةِ (¬3) وَعَلَيْهِ ثَوْبُ قَدْ أُظِلَّ بِهِ مَعَهُ فِيهِ نَاسُ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذْ جَاءَهُ أَعْرَابِيُّ عَلَيْهِ جُبَّةُ مُتَضَمِّحُ بِطِيبٍ فَقَالَ: يا رَسُولَ الله كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي جُبَّةٍ بَعْدَمَا تَضَمَّخَ بِالطِّيبِ؟ فَأَشَارَ عُمَرُ إِلَى يَعْلَى بِيَدِهِ أَنْ تَعَالَ فَجَاءَ يَعْلَى فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ فَإِذَا النبي - صلى الله عليه وسلم - مُحْمَرُّ الْوَجْهِ يَغِطُّ كَذَلِكَ سَاعَةً ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ: "أَيْنَ الَّذِي يَسْأَلُنِي عَنِ الْعُمْرَةِ آنِفًا؟ " فَالْتُمِسَ الرَّجُلُ فَأُتِيَ بِهِ. فَقَالَ: "أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فَاغْسِلْهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا، ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنعُ فَي حَجِّكَ". (¬4)
¬__________
(¬1) انظر الأنصاري، زكريا: حاشية الجمل على شرح المنهاج، (بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، د. ط، د. ت)، ج 1، ص 246 وما بعدها؛ البهوتي، منصور بن يونس إدريس: كشاف القناع عن متن الأقناع، راجعه وعلق عليه الشيخ هلال مصيلحي ومصطفى هلال، (بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1402 هـ / 1982 م)، ج 1، ص 196 وما بعدها؛ الخرشي، محمد: الخرشي على مختصر سيدي خليل وبهامشه حاشية الشيخ العدوي، (بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، د. ط، د. ت)، ج 1، ص 204 وما بعدها.
(¬2) سنن النسائي، كتاب الحيض والإستحاضة، باب "الفرق بين دم الحيض ودم الإستحاضة"، ج 1، ص 185.
(¬3) الجِعْرانة: بكسر الجيم وتسكين العين، ماء بين الطائف ومكة، وهي إلى مكة أقرب. ياقوت الحموي: معجم البلدان، ج 2، ص 142.
(¬4) صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب (32)، مج 3، ج 5، ص 123.

الصفحة 180