كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

أَحْوَجَ مِنَّا؟ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا. قَالَ: "فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ". (¬1)
فذهب الشافعية -في أظهر القولين (¬2) - ورواية عن أحمد (¬3) إلى اعتبار السكوت دليلاً على عدم وجوب الكفارة على المرأة، وذهب الجمهور (¬4) إلى خلاف ذلك بناءً على كون السائل عالماً بأحكام الدين، واستواء الرجال والنساء في أحكام المفطرات. (¬5)
ودلالة السكوت في المثال الأخير أضعف منها في المثال الأول؛ لأن ظاهر الحديث الأول أن الأعرابي كان جاهلاً بحرمة فعله، والحكمُ أيضاً كان مجهولاً له ولغيره من المسلمين، بدليل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتظر نزول الحكم لإنشاء حكم للمسألة، فلو كانت عليه كفارة لأخبره بها حتى لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة، أما قصة الأعرابي الذي انتهك حرمة شهر رمضان فظاهرها يفيد أن الأعرابي كان عالماً بحرمة فعله؛ ففي بعض الروايات أنه جاء ينتف شعره، ويقول: هلكت وأهلكت، كما أن حكم فعله؟ ن معلوماً للرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، إذْ أفتاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - مباشرة بما هو ثابت من حكمٍ في المسألة، فربما بيّن له - صلى الله عليه وسلم - حكمه هو، وأحاله على ذلك الحكم بالنسبة لزوجته، فما دام الجرم واحداً فالكفارة واحدة، خاصة وأنه لم يرد أن الرجل سأل عن حكم زوجته، فلا يكون عدم النص على حكم المرأة نصّاً على سقوط الكفارة عنها، إذْ يجوز أن يكون الجواب على قدر السؤال، والسؤال كان عن حكم الرجل وحده.
ويستخلص من هذين المثالين التفريق بين كون المسكوت عنه قد تبيّن حكمه بدليل صحيح ويفترض في المستفتي أن يكون عالماً به، فلا يدلّ السكوت في هذه الحال على انتفاء الحكم عن المسكوت عنه، وأن يكون المسكوت عنه مما لم يرد فيه
¬__________
(¬1) سبق تخريجه.
(¬2) انظر النووي: روضة الطالبين وعمدة المفتين، ج 2، ص 374.
(¬3) انظر ابن قدامة: المغني، ج 3، ص 123.
(¬4) انظر ابن جزي، محمد بن أحمد: قوانين الأحكام الشرعية ومسائل الفروع الفقهية، (بيروت: عالم الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، د. ط، د. ت)، ص 129؛ ابن قدامة: المغني، ج 3، ص 123؛ الموصلي: الإختيار لتعليل المختار، ج 1، ص 131.
(¬5) انظر ابن قدامة: المغني، ج 3، ص 123.

الصفحة 182