كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

موجب يقتضيها. فهذا القسم جارية فروعه على أصوله المقررة شرعاً بلا إشكال". (¬1)
ومثال هذا ما أورده ابن تيمية في الردّ على المستدلين على عدم جواز دخول الحمامات بكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه من بعده لم يفعلوه، حيث يقول:
"ليس لأحد أن يحتج على كراهة دخولها، أو عدم استحبابه بكون النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يدخلها، ولا أبو بكر وعمر فإن هذا إنما يكون حجة لو امتنعوا من دخول الحمّام، وقصدوا اجتنابها، أو أمكنهم دخوطا فلم يدخلوها. وقد عُلِم أنه لم يكن في بلادهم حينئذ حمّام، فليس إضافة عدم الدخول إلى وجود مانع الكراهة أو عدم ما يقتضي الإستحباب بأولى من إضافته إلى فوات شرط الدخول، وهو القدرة والإمكان.
"وهذا كما أن ما خلقه الله في سائر الأرض من القوت واللباس والمراكب والمساكن لم يكن كلّ نوع منه كان موجوداً في الحجاز فلم يأكل النبي - صلى الله عليه وسلم - من كلّ نوع من أنواع الطعام: القوت والفاكهة، ولا لبس من كلّ نوع من أنواع اللباس. ثم إن من كان من المسلمين بأرض أخرى: كالشام، ومصر واليمن، وخراسان ... وغير ذلك عندهم أطعمة وثياب مجلوبة عندهم، أو مجلوبة من مكان آخر، فليس لهم أن يظنوا ترك الإنتفاع بذلك الطعام واللباس سنّة؛ لكون النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأكل مثله، ولم يلبس مثله؛ إذْ عدم الفعل إنما هو عدم دليل واحد من الأدلة الشرعية، وهو أضعف من القول باتفاق العلماء. وسائر الأدلة من أقواله: كأمره ونهيه وإذْنه، ومن قول الله تعالى هي أقوى وأكبر ولا يلزم من عدم دليل معين عدم سائر الأدلة الشرعية". (¬2)
ب - السكوت عَمّا عُلِم حكمه إحالةً على النصوص الشرعية:
إذا سكت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن فعل قد عُلِم حكمه بنص من الكتاب أو السنّة، فإن
¬__________
(¬1) الشاطبي: الموافقات، مج 1، ج 2، ص 310. وقد نبّه الشاطبي إلى أن مثل هذه التشريعات الزائدة المبنية على المصالح المرسلة لا تدخل في التعبدات ألبتة، وإنما هي في التصرفات العادية، فقال: " ... وأيضا فالمصالح المرسلة -عند القائل بها- لا تدخل في العبدات ألبتة، وإنما هي راجعة إلى حفظ أصل الملة، وحياطة أهلها في تصرفاتهم العادية. ولذلك تجد مالكاً -وهو المسترسل في القول بالمصالح المرسلة- مشدداً في العبادات أن لا تقع إلّا على ما كانت عليه في الأولين". الشاطبي: الموافقات، مج 2، ج 3، ص 54.
(¬2) ابن تيمية: مجموع فتاوى ابن تيمية، ج 21، ص 313 - 314.

الصفحة 184