كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

مفهوم المخالفة، فإنهما يُعدّان من أنواع المسكوت عنه، لكن إفادة كلٍّ منهما لمقتضاه لا تكون من جهة السكوت لذاته، وإنما لمدرك آخر هو إما اللغة أو القياس -على خلاف مشهور بين الأصوليين- في مفهوم الموافقة، وحكم عقلي في مفهوم المخالفة، هو ثبوت خلاف حكم الشيء لخلافه، فتخصيص شيء بالحكم يقتضي إثبات خلاف ذلك الحكم لخلاف ذلك الشيء، وإلاّ لم يكن لتخصيصه بالحكم فائدة، ويتم ذلك بشروط اشترطها القائلون بمفهوم المخالفة. (¬1)
ثالثا: السكوت لمانع:
ويكون ذلك في السكوت انتظاراً للوحي. (¬2) فإذا سأل سائل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مسألة ليس فيها حكم وسكت انتظاراً للوحي لبيان حُكْمِها فإن ذلك السكوت لا دلالة له على حكم، وإنما يؤخذ الحكم من موقفه بعد نزول الوحي. ومن أمثلة ذلك ما أخرجه الترمذي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ بِابْنَتَيْهَا مِنْ سَعْدٍ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يا رَسُولَ الله هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَكَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالاً وَلا تُنْكَحَانِ إِلاّ وَلَهُمَا مَالُ. قَالَ: "يَقْضِي الله فِي ذَلِكَ". فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ، فَبَعَثَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى عَمِّهِمَا فَقَالَ: "أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ، وَأَعْطِ أُمَّهُمَا الثُّمُنَ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ". (¬3)
¬__________
(¬1) انظر الجويني: البرهان، ج 1، ص 301 - 311؛ الأمدي: الأحكام في أصول الأحكام، ج 3، ص 73 وما بعدها.
(¬2) ذكر الأصولييون حالات أخرى أدخلوها تحت السكوت لمانع. انظر الزركشي: البحر المحيط، ج 4، ص 203؛ الأشقر: أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ج 2، ص 107. ولكنها عند التحقيق يتبين عدم دخولها في ذلك.
(¬3) سنن الترمذي، أبواب الفرائض، باب (3)، ج 3، ص 280.

الصفحة 186