كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

عكس الاستقراء الناقص الذي لا يفيد إلَّا الظن، وفي ذلك يقول الرازي في تعليقه على شرح الإشارات والتنبيهات: "عسى سائل أن يقول: ليست التجربة إلَّا مشاهدات متكررة، كما أن الاستقراء أيضًا مشاهدات متكررة، فكيف أفاد التجربة اليقين دون الاستقراء؟ فالجواب: إنه إذا تكررت المشاهدات على وقوع شيء، وعلم بالعقل أنه ليس اتفاقيًّا، إذ الاتفاقات لا تكون دائمة ولا أكثرية، كانت التجربة مفيدة لليقين، وإن لم يعلم ذلك واستدل بمجرد المشاهدات الجزئية بدون ذلك القياس على الحكم الكلي كان استقراءً ولا يفيد اليقين". (¬1)
والخلاصة أن المنطق الأرسطي لا يعتبر الاستقراء الناقص بمفرده مفيدًا للعلم ولا سبيلًا يمكن التوصل به إلى التعميم، ولكنه يمكن أن يكون كذلك إذا دعم بمبادئ عقلية قبلية، ليشكل المجموع قياسًا منطقيًّا كاملًا يبرهن على وجود علاقة سببية، ليثبت حكمًا كليًّا يقينيًا وصالحًا للتعميم على كل الحالات المماثلة. وهكذا يتبين أن كل استدلال استقرائي مرده إلى قياس يشتمل على مقدمتين: كبراهما عقلية قبلية، وصغراهما تمثل نتيجة استقراء مجموعة من الأفراد أو الحالات. ومعنى هذا أن الوظفية المباشرة للإستقراء الناقص -في رأي المنطق الأرسطي- هي تقديم صغرى القياس.
ثانيًا: موقف المذهب التجريبى من مشكلة الاستقراء:
المراد بالمذهب التجريي: المذهب الذي يعتبر التجربة والحس المصدر الأساس للمعرفة، وهو بهذا المعنى يعتبر مقابلًا للمذهب العقلي. (¬2)
وأهم ما يميز المذهب التجريبي عن المذهب العقلي أن الأول لا يؤمن بوجود معارف ومبادئ عقلية قبلية مستقلة عن التجربة والمعرفة الحسية، في حين يؤمن الثاني بإمكانية وجودها.
¬__________
(¬1) نقلًا عن: محمد باقر الصدر: الأسس المنطقية للإستقراء، ص 33 - 34.
(¬2) " Empiricism is the theory that experience rather than reason is the source of khowledge, and in
this sense it is opposed to rationalism)
" انظر الموسوعة الفلسفية"
" Paul Edwards (ed):the
Encycolopedia of Philosophy . N .Y .:Macmillan Publishing Co. Inc. & the Free Press Lodon:
Collier Macmillan Publishing, 1972, vol. 2,P. 499.

الصفحة 220