كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

بالتجربة والاستقراء، لكنه يفسر ذلك تفسيرًا نفسيًا ذاتيًّا. (¬1)
ومهما يكن طريق إدراك علاقة العلية -سواء طبقًا للواقع الموضوعي، أو لانطباع نفسي ذاتي، أو معرفة عقلية قبلية- فإن الجامع بين الإتجاهات كلِّها هو الإعتراف بوجود هذه العلاقة، والإقرار بمبدأ عدم كون الإتفاق دائميًا أو أغلبيّا.
والأخذ بتفسير هيوم يضعنا أمام أحد موقفين: إما أَنَّ حكمنا على العلاقات بين الأشياء هو مجرد انطباعات نفسية لا علاقة لها البتة بقوانين الواقع الموضوعي، وبذلك تستوي الحقائق الواقعية والخيالات، وهذا الإتجاه سيقودنا إلى السفسطة. وإما أن نعترف بوجود علاقة بين قوانين الواقع الموضوعي وانطباعاتنا النفسية عن العلاقات بين الأشياء، وفي هذه الحالة نقول: إنه لا مانع من كون أحكامنا على هذه العلاقات نتيجة انطباعات نفسية، بل سنجد كل الأحكام ناتجة عن هذه الإنطباعات التي قد تعكس حقائق واقعية أو أوهامًا، حسب عملية الإستدلال التي توصلنا بها إلى هذه
الأحكام، وما يحيط بها من ملابسات وما يتوفر فيها من شروط.
ونحن في سعينا إلى الحكم على نتيجة الاستقراء بالقطع أو الظن، أو بالصدق وعدمه، إنما يمكننا الحصول على ذلك من خلال الإنطباع الذهني المتكون نتيجة لتكرار الملاحظة، كما أننا في ممارسة عملية الاستقراء لا نسعى إلى إثبات مطلق وجود علاقة العلية، إذْ يكفي في حصول ذلك ملاحظةٌ واحدةٌ للعلاقة بين عنصرين، وإنما نسعى إلى إثبات اطراد هذه العلاقة بين أفراد نوع أو أنواع جنس، وهذا الإنطباع لا يتأتى إلَّا من خلال عملية تكرار الملاحظة مع الحصول على نتائج متشابهة.
والإنطباع الذي يقول عنه هيوم إنه يثيره في الذهن نفس تحرار الأمثلة التي اققرنت فيها (أ) مع (ب)، وأنه عبارة عن تهيؤ الذهن واستعداده لكي ينتقل من موضوع إلى فكرة ما تصاحبه عادة، هو انطباع لا يمكن أن يحصل من غير تكرار وسواء قلنا إنه ناتج عن مجموع الإنطباعات الناتجة عن مشاهدة كل حالة، أو إنه
¬__________
(¬1) انظر Hume, David: A treatise of Human N ature, ed. by Ernest G. Mossner, London: Penguin Group, 1984. pp.121 - 147.

الصفحة 224