كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

انطباع مستقل نتج عن ملاحظة مجموع تلك الحوادث المتكررة فلا فرق، إذ المهم أنه ناتج عن عملية التكرار التي هي أمر واقعي.
أما فيما يتعلق بإنكار دافيد هيوم وجود حقيقة واقعية لعلاقة السببية، استنادًا إلى عدم إمكانية إثبات ذلك بالتجربة والخبرة الحسية فإنه يُرَدّ عليه بأن عدم امتداد التجربة والحس لإثبات قضية من القضايا لا يكفي مبرِّرا لنفيها، والاعتقاد بعدمها، إذْ الحكم على القضية بالنفي أو الإثبات سيان كلاهما يحتاج إلى إثبات. وطبقًا للمذهب التجريبي فإن كلًّا من الحكم على قضية بالنفي، أو بالإثبات يحتاج إلى التجربة والخبرة. فإذا كان الحكم على علاقة السببية بالوجود متعذّرًا -طبقًا للمذهب التجريبي- لعدم القدرة على إثبات ذلك تجريبيا، فإن الحكم عليها بالعدم لا بُدّ أن يكون في حاجة هو أيضًا إلى إثباتٍ بالتجربة والخبرة، وهو أمر متعذر لعدم امتداد التجربة إلى ذلك. وهن هنا يلزم أصحاب المذهب التجريبي التوقف عن الحكم على علاقات السببية بالوجود أو الإنتفاء. ونخلص من هذا إلى أنه لا يوجد مبرر عقلي لنفي علاقة السببية.
ثالثًا، تفسير نتيجة الاستقراء وفقًا لمعايير الإختيار:
يقوم هذا التفسير على أساسٍ مفاده أننا عند التدقيق في الاستقراءات الفاشلة -التي يُسْتَدَل بها عادة على نقض الدليل الإستقرائي والطعن فيه- نجدها ناتجة عن عدم توفر المتطلبات اللَّازمة للدليل الإستقرائي في مرحلته الإستنباطية، إذْ من شروطه توحيد معايير ومقاييس انتقاء الجزئيات المستقرأة، بأن تكون كلها مشتركة خاصية مفهومية تتميز بها عن غيرها من الجزئيات التي لا يشملها الاستقراء، وأن يكون اعتقاد المستقرئ أنه لا توجد أي خاصية مفهومية إضافية تتميز بها الحالات التي شملها الاستقراء عن الحالات الأخرى التي يراد تعميم النتيجة عليها.
ومن هنا يتبين أن عملية الاستقراء تحتاج إلى أمرين:
1 - تحديد المعايير التي يتم على أساسها اختيار الجزئيات المستقرأة، لأن ذلك في غاية الأهمية لتحديد التعميم الإستقرائي الذي سنصل إليه.

الصفحة 225