كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

3 - مراعاة الدقة في إطلاق التعليمات الإستقرائية، وذلك بالأخذ بعين الإعتبار كل الشروط والملابسات الواجب توافرها لتحقيق التعميم الإستقرائي، وذكر كل القيود والمحترزات اللازمة في التعميم، إذْ إن إدخال عنصر من غير صنف العناصر المستقرأة -نظرًا لقوة شبهه بها- سيؤدي إلى خرقا التعميم الإستقرائي فنحكم على نتيجة الاستقراء بالخطأ، وعلى الدليل الإستقرائي بالقصور والحقيقة أن الأمر غير ذلك، إذْ إن ما عُدَّ نقضًا للإستقراء، ما هو إلَّا عنصر خارج عن عناصر الصنف المستقرأ، وإنما أدخل فيها إما لعدم تحديد مقاييس التصنيف، أو لعدم الدقة في تطبيقها. ومن هنا تبرز أهمية تحديد خصائص ومميزات الجزئيات محل الاستقراء بتعريفها تعريفًا جامعًا مانعا، ويصير التعميم الإستقرائي خاضعًا لتعريف العناصر المستقرأة.
ومن الأمثلة على هذه الطريقة ما ذهب إليه فون رايت (G. H. Von Wright) الذي تناول بالتحليل مثال دايفيد هيوم عن كرة البلياردو، وخلاصته أننا نلاحظ أن اندفاع الكرة الأولى تجاه الكرة الثانية واصطدامها بها يتبعه حركة الكرة الثانية، ونستنتج من ذلك أن حركة الكرة الأولى علة حركة الكرة الثانية، ونعمِّم بالاستقراء هذه الملاحظة لنقول: كلّما تحركت واصطدمت كرة أولى بكرة ثانية فإن ذلك سيتبعه تحرك الكرة الثانية. ولكننا قد نجد في بعض الكرات أن كرةً قد تحركت وصدمت كرة أخرى دون أن يؤدي ذلك إلى تحرك الكرة الثانية، كأن تكون الكرة الثانية مثبتة في طاولة البلياردو أو لوجود عائق قوته مساوية لقوة دفع الكرة الأولى، أو أقوى منها، أو لأن الكرة الثانية معدنية والأولى ورقية فلا تقدر على تحريكها، أو غير ذلك من الأسباب. فهل يكون معنى ذلك أن التعميم الإستقرائي المستنتج كان خاطئًا من أصله؟
الواقع أن الأمر ليس كذلك، أي أن التعميم ليس خاطئًا من أساسه، ولكنه قاصر وغير دقيق، لإغفاله ذكر بعض القيود والمحترزات، ومن هنا يدعونا "فون رايت" إلى تعديل صيغة هذا التعميم أو القانون الإستقرائي بما يأتي: "حينما تصطدم كرة بثانية، فإن الأخيرة لا تتحرك إلَّا إذا توافرت شروط محددة، وتحققت ظروف معينة". (¬1)
¬__________
(¬1) انظر (the Logical problem of Inducation, p.46 ,G. H. Von Wright
نقلًا عن د. علي عبد المعطي، ود. السيد نفادي: المنطق وفلسفة العلم، ص 302.

الصفحة 226