كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

ومن هنا يمكن أن يكون الاستقراء ذاته معينًا على اكتشاف صفات أو شروط جديدة نضيفها إلى الظاهرة محل الاستقراء بغرض إقامة صياغة كاملة للقانون العام الذي نسعى إلى إرسائه، أي أن عملية الاستقراء لها تأثير في مسألة صياغة المفاهيم والتصورات وتكوينها، كما أنها تتأثر بها، فعملية التأثير متبادلة بين الاستقراء وصياغة المفاهيم والتصورات وتكوينها.
وهذا المسللث في تبرير التعميم الإستقرائي شبيه بما ذهب إليه "جون ديوي" من اعتبار الوظيفة الأساسية لعملية الاستقراء هي التوصل إلى اكتشاف العيِّنة التي تكون ممثلة لما يشبهها من الحالات، وتُتَّخَذ معيارًا يعتمد عليه التعميم الإستقرائي. (¬1)
ومن أمثلة ذلك أيضًا مسألة اليسر في أحكام الشارع، فإذا قلنا -مثلًا- إن استقراء موارد الشريعة دلَّ على أن من مقاصدها التيسير فيعترض معترض بأننا لا نلمح حضور هذا المقصد في الحدود لما تتصف به من شدَّة وصرامة. فإننا للإجابة على هذا الإعتراض نجد أنفسنا ملزمين بداية بتحديد مفهوم التيسير عند الشارع، فإذا حدَّدنا التيسير المقصود في النصوص الشرعية، أمكننا بعد ذلك القول هل إن الشارع راعى جانب التيسير في مجال العقوبات أم لا؛ إذْ قد يدخل البعض في التيسير ما هو في حقيقته ليس منه، ومن هنا وجب بداية تحديد مفهوم التيسير المقصود لدى الشارع.
وقد اعتمد الشاطي هذا النوع من التسويغ في كتاب المقاصد عند حديثه عن أن القاعدة الكلية لا يقدح فيها شذوذ آحاد الجزئيات، وستأتي مناقشتها عند الحديث عن الاستقراء عند الإمام الشاطبي.
وقد بحث علماء أصول الفقه هذا بالتفصيل في قادح العلة المسمى "النقض" وما يتعلق به من جواز تخصيص العلل الشرعية. وأبرز مثال لذلك ما يسلكه المناظر عادة في دفع النقض، كدفع النقض بإظهار مانع أو فوات شره. بأن يظهر المعلل مانعًا من ثبوت الحكم في صورة النقض، أو تخلف شرط من شروط الحكم في صورة
¬__________
(¬1) انظر ذلك في هذا المبحث عند الحديث عن الاستقراء في المنطق الغربي الحديث.

الصفحة 227