كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

بالمباحات، وسَدِّ الخَلات، وجُعل للإنسان فيها حرية الإختيار بين الفعل وعدمه، وبين أنواع المشروعات ضمن حدود الشريعة وقوانينها. ومع مراعاة حظ المكلَّف بالقصد الأول في هذه المقاصد، فإنها محصلة أو خادمة ومكملة للنوع الأول، وهو المقاصد الأصلية، لكن بالتَّبَعَ لا بالأصل. (¬1) وغالب هذا النوع من المقاصد يرجع إلى الحاجيات والتحسينيات، وهي دائرة على حُكْم الإباحة بالجزء، أو بالجزء والكلّ معا، أو على حُكْم الإباحة بالجزء مع الكراهة أو المنع بالكلّ. (¬2)
العلاقة بين المقصد والحِكْمة:
يرى محمد الطاهر بن عاشور أن الحِكَم المرعية في تشريع الأحكام تمثل جزءًا من المقاصد الشرعية، حيث يقول في تعريفه للمقاصد الشرعية الخاصة بالمعاملات: "ويدخل في ذلك كلُّ حِكْمة روعيت في تشريع أحكام تصرفات الناس، مثل قصد التوثق في عقدة الرهن ... ". (¬3)
ويمكن القول إن الحِكَم هي المقاصد ذاتها، فهي مرادف للمقاصد، (¬4) ويتضح ذلك من خلال ما تقدم في تعريف المقاصد الشرعية، وتعريف الحِكْمة، حيث عُرِّفَت بأنها: "المعنى المناسب لشرع الحُكم"، (¬5) وأنها "جلب مصلحة أو تكميلها، أو دفع مفسدة أو تقليلها". (¬6)
¬__________
(¬1) انظر الشاطبي: الموافقات، مج 1، ج 2، ص 136 وما بعدها.
(¬2) انظر المصدر السابق، مج 1، ج 2، ص 156.
(¬3) محمد الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة الإِسلامية، ص 301.
(¬4) انظر في ذلك قول الونشريسي في المعيار المعرب: " ... والحِكْمة في اصطلاح المتشرعين هي المقصود من إثبات الحُكم أو نفيه، وذلك كالمشقة التي شرع القصر والإفطار لأجلها" أي لأجل رفعها. الونشريسي، أبو العباس أحمد بن يحيى: المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب، (المغرب: وزارة الأوقاف والشؤون الإِسلامية، 1401 هـ/ 1981 م)، ج 1، ص 349.
(¬5) الشربيني، عبد الرحمن: تقرير شيخ الإِسلام الشربيني على حاشية البناني على شرح الجلال المحلي على متن جمع الجوامع، (مصر: مصطفى البابي الحلبي وأولاده، 1356 هـ / 1937)، ج 2، ص 236.
(¬6) البناني: حاشية البناني على شرح الجلال المحلي على متن جمع الجوامع، (مصر: مصطفى البابي الحلبي وأولاده، 1356 هـ / 1937)، ج 2، ص 236.

الصفحة 35