كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

رَافِعٍ، فَذَهَبْتُ مَعَهُ، فَسَأَلَه فَقَال: نَهَى النّبي - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كِرَاءِ المزَارِعِ، فَقَال ابنُ عُمَر: قَدْ عَلِمْتَ أَنّا كُنّا نُكْرِي مَزَارِعَنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِمَا عَلَى الأَرْبِعاءِ (¬1) وبشَيْءٍ مِن التَّبْنِ". (¬2)
موقف الفقهاء من دلالة النهي:
وقد ذهب فقهاء الصحابة والتابعين مذهبين في توجيه أحاديث النهي عن كراء الأرض، بناءً على فهم كلّ فريق لقصد الرسول - صلى الله عليه وسلم - من النهي عن كراء المزارع:
ذهب فريق - ومنهم سالم بن عبد الله بن عمر, وسعيد بن المسيب، ورواية عن رافع بن خديج، والإمام مالك، وعروة بن الزبير - إلى أن علَّة النهي ما في هذا الكراء من مخاطرة وغرر, ويفسر ذلك ما رواه البخاري عن رافع بن خديج - رضي الله عنه - أنه قال: "كُنّا أَكْثَرَ أَهْلِ المدِينَة مُزْدَرَعًا، كُنّا نُكْرِي الأَرْضَ بالنَّاحِيّةِ مِنْهَا مُسَمّى لِسَيِّدِ الأَرْضِ، قَالَ فَمِمَّا يُصابُ ذَلِكَ وتَسْلمُ الأَرْضُ، ومِمّا يُصابُ الأرضُ ويَسْلمُ ذَلِكَ، فنُهِينا، وأَمّا الذَّهَبُ والوَرِقُ فَلَمْ يَكُنْ يَومَئِذٍ". (¬3) ولما كان قصد الشارع إبطال المعاملات التي تتضمن غررًا ومخاطرة، نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن هذا النوع من المعاملات. ومن ثَمَّ قصر هذا الفريق النهي على كراء الأرض بما تنتجه ناحية مسماة منها، وأجازوا كراءها بالذهب والفضة. فقد روى مالك عن ابن شهاب الزهري أنه قال: "سألت سعيد بن المسيب عن كراء الأرض بالذهب والورِق؟ فقال: لا بأس به". (¬4)
وروى مالك عن الزهري أيضًا أنه سأل سالمًا بن عبد الله بن عمر عن كراء المزارع؟ فقال: لَا بَأْسَ بِهَا بالذّهَبِ والوَرِقِ". قال ابن شهاب: فقلت له: "أَرَأَيْتَ الحدِيثَ الّذِي يُذْكَرُ عَن رَافعِ بن خُدَيْج؟ فَقَالَ: أَكْثَرَ رَافِعٌ. ولَوْ كاَنَ لِي مَزْرَعَةٌ
¬__________
(¬1) الأَرْبِعاء: جمع ربيع، وهو النهر الصغير. والمراد هنا أنهم يكرون الأرض ويشترطون على مكتريها ما ينبت على الأنهار والسواقي. انظر ابن منظور: لسان العرب، ج 8، ص 104.
(¬2) صحيح البخاري، كتاب الحرث والمزارعة، باب (18)، الحديث (2343) و (2344)، مج 2، ج 3، ص 102.
(¬3) صحيح البخاري، كتاب الحرث والمزارعة، باب (7)، الحديث (2327) مج 2، ج 3، ص 96.
(¬4) مالك بن أنس: الموطأ، كتاب كراء الأرض، باب (1)، ج 2، ص 711.

الصفحة 46