كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

أَكْرَيْتُهَا". (¬1)
وروى البخاري عن رافع بن خديج قال: "حدثني عماي أنهم كانوا يكرون الأرض على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بما يَنْبُتُ على الأربعاء أو شيء يستثنيه صاحب الأرض، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك. فقلت لرافع: فكيف هي بالدينار والدرهم؟ فقال رافع: ليس بها بأس بالدينار والدرهم". (¬2)
وذهب فريق ثان - ومنهم: ابن عباس، ورواية عن رافع بن خديج، والبخاري - إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قصد من هذا النهي ترغيب الصحابة في مواساة ومساعدة بعضهم بعضًا، نظرًا للظروف الإقتصادية الصعبة التي كانوا يعيشونها في دار الهجرة، وعلى ذلك لا يكون النهي تحريمًا للمزارعة، بل مجرد تنفير للصحابة من ذلك، وترغيبهم في التبرع بها لمن يقدر على زرعها من إخوانهم. وقد دعموا توجيههم هذا لتلك النصوص بما رواه البخاري عن رافع بن خديج: "لَقَدْ نَهَانَا رُسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَمْرٍ كَانَ بِنَا رَافِقًا ... ". (¬3) وما أورده البخاري أيضًا عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: "إِنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَنْهَ عَنْهُ، ولَكِنْ قَالَ: "أَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُم أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مَعْلُومًا". (¬4)
فهذا الفريق - لَمّا رأى أن مقصد الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يكن تحريم المعاملة، وإنما كان يقصد الترغيب في التعاون والتآسي بين الصحابة - أَوَّلَ الحديث ولم يأخذه على ظاهره بما يفيده من تحريم كراء الأرض، وإنما عَدَّ ذلك من باب الترغيب في التآسي، والتنفير من ضد ذلك.
رابعًا - أهمية المقاصد في توجيه الفتوى:
الهدف من الفتوى تنزيلُ النصوصِ على الوقائع، وتحقيق مقاصد الشارع في آحاد
¬__________
(¬1) المصدر السابق، والصفحة نفسها.
(¬2) صحيح البخاري، كتاب الحرث والمزارعة، باب (19)، الحديث (2346 و 2347)، مج 2، ج 3، ص 103.
(¬3) صحيح البخاري، كتاب الحرث والمزارعة، باب (18)، الحديث (2339)، مج 2، ج 3، ص 101.
(¬4) المصدر السابق، الحديث (2342)، ص 102.

الصفحة 47