كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

جابر هذا، (¬1) كما أنه هو نفسه كان ملتزما بالعمل بظاهر الحديث، كما في صحيح البخاري عن أبي الزناد قال: "وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أن زيد بن ثابت لم يكن يبيع ثمار أرضه حتى تطلع الثريا، فيتبين الأصفر من الأحمر". (¬2)
سابعًا - الحاجة إلى العلم بالمقاصد في التعامل مع أخبار الآحاد:
من المعلوم أن السنّة النبوية قد وقع فيها شيء من الدخل من قِبَل الوضاعين، ومن ساء حفظهم واختلطت عليهم مروياتهم، ولذلك نجد من السنّة: الصحيح، والحسن، والضعيف، والموضوع، كما أنه قد وقع فيها نسخ، وقد يُعلم الناسخ والمنسوخ، وقد يخفى أحيانًا على البعض. وبسبب ما سبق ذكره نجد أحيانًا شيئًا من التعارض سواء بين نصوص السنّة نفسها، أو بينها ونصوص القرآن الكريم، أو بينها والمقاصد العامة للشريعة وأصولها وكلّياتها. ومن هنا نهض العلماء المحققون لتمحيص السنّة بتخليصها من الدخيل، وبيان ناسخها ومنسوخها، والترجيح بين المتعارض منها. وقد سلك العلماء في ذلك مسالك متعددة، واتخذوا لذلك وسائل متنوعة، منها الإستعانة بمقاصد الشارع الحكيم في تمحيص أحاديث الآحاد، والترجيح والتوفيق بينها والنصوص الأخرى أو الأصول والمقاصد العامة للشريعة.
ويجب التنبيه بداية إلى أن هذا الموضوع في غاية الحساسية والصعوبة، وهو مزلَّة أقدام، وموطن انحراف أفهام، وقد وقع فيه خلاف كبير وكان وما زال مدخلاً لكثير من ذوي الأفهام القاصرة والنوايا المشكوك فيها لإسقاط بعض النصوص والأحكام الشرعية؛ لذلك وجب معالجته بحذر وليس هذا مجال التفصيل فيه لأنه ليس من صميم المبحث، وإنما القصد هو ذكر خلاصة له، وبيان أهمّ الضوابط التي يجب مراعاتها عند التعامل معه.
لقد رُدَّت أحاديثُ كثيرة بحجة مخالفتها للأصول العامة للشريعة، أو مخالفتها
¬__________
(¬1) انظر لمقارنة آراء فقهاء المذاهب بفهم زيد بن ثابت هذا للنهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها: الشوكاني، محمد ابن علي: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد, ومصطفى محمد الهواري، (القاهرة: مكتبة الكلّيات الأزهرية، د. ط، د. ت)، ج 6، ص 258 - 261.
(¬2) صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب (85)، مج 2، ج 3، ص 46 - 47.

الصفحة 50