كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

1 - مذهب أرباب الخصوص: يرى أصحاب هذا الإتجاه أن ما ذُكِر من صيغ العموم إنما وُضِع للخصوص، وهو أقل الجمع: إما اثنان أو ثلاثة، ولا يقتضي العموم فيما فوق ذلك إلّا بقرينة، وهو منسوب إلى محمد بن شجاع البلخي من الحنفية (¬1)، ولكن الجصاص أورد اتفاق الحنفية على القول بالعموم في الأوامر والنواهي والأخبار, حيث قال: "ولم يُحْكَ عن أحدٍ من أصحابنا خلاف ذلك فدلّ أنه قولهم جميعا"، (¬2) والجبائي من المعتزلة. (¬3) فحاصل مذهبهم أنه لا يمكن استفادة قصد الشارع من ظاهر العام، وإنما الذي يحدد ذلك هو ما يحفّ به من قرائن.
2 - مذهب الواقفية: وهم القائلون بأن ما يطلق عليه صيغ العموم مشترك يصلح للإستغراق وللإقتصار على الأقل ولتناول صنف أو عدد بين الأقل والاستغراق، ومن ثَمّ يجب التوقف فلا يحمل على واحد من ذلك إلّا بما يؤيده من قرائن، أما أقل الجمع فإنه داخل فيه لضرورة صدق اللفظ بحكم الوضع، وهو منسوب إلى الباقلاني وأبي الحسن الأشعري، وبعض المتكلّمين. (¬4)
والقول بالتوقف إن كان القصد منه التوقف مطلقًا فهو مردود لا محالة لأنه يؤدي إلى تعطيل عمومات الشرع، ومن ثَمّ تعطيل جزء كبير من النصوص الشرعية، أما إذا قُصِد منه النظر في وجود صوارف تصرف العام عن عمومه قبل القول بمقتضاه فهو محلّ اتفاق بين أهل العلم؛ ذلك أن اللفظ العام لا يمكن أن نعلم بقاءه على عمومه إلّا بعد علمنا بعدم وجود ما يصرفه عن عمومه، كما أن اللفظ الظاهر لا يمكن أن نعرف بقاءه على ظاهره إلّا إذا علمنا بعدم وجود ما يصرفه عن ظاهره، واللفظ المطلق لا يمكن أن نعلم بقاءه على إطلاقه إلّا إذا علمنا عدم وجود ما يقيده، وكون الأمر للإيجاب لا يمكن التحقق منه إلّا إذا علمنا انتفاء الصوارف
¬__________
(¬1) انظر الزركشي: البحر المحيط، ج 3، ص 17.
(¬2) الجصاص: أصول الفقه المسمى الفصول في الأصول، ج 1، ص 103، وانظر تفصيل رأي الحنفية في الصفحات 101 - 103.
(¬3) انظر محمد أديب صالح: تفسير النصوص في الفقه الإِسلامي، ج 2، ص 19 - 20.
(¬4) انظر الغزالي: المستصفى، ج 2، ص 28.

الصفحة 72