كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)} [آل عمران: 7]. وينبغي التنبيه هنا إلى أن ما ورد في الشرع من نصوص متشابهات لا يتعلق بفهم المقصود منها تكليفٌ، والتكليف إنما هو بالإيمان بها والتسليم لها على ما هي عليه من تشابه.
ومثال الثاني ما يستعمله الشارع من ألفاظ محتملة لأكثر من معنى سواء في حال كونها مفردة أوفيما وردت فيه من سياق، وذلك -كما قيل- لتكثير المعاني التي يمكن أن تؤخذ من القرآن الكريم. (¬1)
ورابعها: حال المخاطِب، فحال المخاطِب أثناء الخطاب لها مكانة بارزة في فهم المقصود من خطابه، حيث إن المخاطِب عادة ما يصاحب خطابَه علاماتٌ تظهر عليه، وإشاراتٌ تصدر منه تساعد في فهم الخطاب.
فاللغة عادة أضيق من الفكر، ومن ثَمَّ يلجأ المتكلّم أحيانًا إلى الإشارات والحركات للتعبير عن بعض المعاني، أو استكمال ما قد يشعر به من قصور في الألفاظ عن التعبير عمّا يقصده، كما أن الرغبة في التأكيد، أو الإختصار، أو التعبير عن الشعور الداخلي، أو إظهار أهمية الشيء وعظمته قد تستدعي من المتكلّم إشفاع خطابه بحركات، وإشارات، وعلامات تظهر على الوجه لتبليغ ما يريد إبلاغه للسامع.
ومعرفة حال المخاطِب عند صدور الخطاب ضرورية لحسن إدراك مقصود المتكلّم من كلامه، وقد وردت إشارات كثيرة إلى ذلك في السنة النبوية، حيث اعتنى الرواة بنقلها إدراكًا منهم لأهميتها في فهم الخطاب. أما بالنسبة للقرآن الكريم فإن هذا العنصر غير متوفِّر لتنزُّه الذات الإلهية عن ذلك، ولعدم صدور الوحي في شكل خطاب مباشر بين الله تعالى وعباده.
ومما روي في السنّة المطهرة من بيان حال النبي - صلى الله عليه وسلم - أثناء صدور الخطاب ما يأتي:
¬__________
(¬1) انظر محمد الطاهر بن عاشور: تفسير التحرير والتنوير، ج 1، ص 55.

الصفحة 86