كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

1 - رَوَى البُخَاريّ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: "اعْرِفْ وِكاَءَهَا (¬1) أَوْ قَالَ: وِعَاءَهَا وَعِفَاصَهَا (¬2) ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ". قَالَ: فَضَالَّةُ الإِبِلِ فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ أَوْ قَالَ احْمَرَّ وَجْهُهُ (¬3) فَقَالَ: "وَمَا لَكَ وَلَهَا مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَرْعَى الشَّجَرَ فَذَرْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا". قَالَ: فَضَالَّةُ الْغَنَمِ قَالَ: "لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ". (¬4)
فالغضب واحمرار الوجه علامة يفهم منها التشديد في النهي عن التقاط ضالة الإبل ما دام عدم التقاطها لا يعرضها لخطر.
2 - روى البخاري عن عبد الله، قال: قَسَم النبي - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا قِسْمَةً فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَار: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ الله. قُلْتُ: أَمَا والله لآتِيَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ فِي مَلأ فَسَارَرْتُهُ فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ ثُمَّ قَالَ: "رَحْمَةُ الله عَلَى مُوسَى أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ". (¬5)
فالغضب واحمرار الوجه علامة على عِظَم حرمة التشكيك في عدل النبي - صلى الله عليه وسلم - والطعن في حكمه، وتأذيه - صلى الله عليه وسلم - من ذلك، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يغضب لنفسه، فإذا غضب فإنما ذلك لإنتهاك حرمات الله تعالى.
3 - أخرج الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ نَتَنَازَعُ فِي الْقَدَرِ فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّمَا فُقِئَ فِي وَجْنَتَيْهِ الرُّمَّانُ فَقَالَ: "أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ أَمْ بِهَذَا أرْسِلْتُ إِلَيْكُمْ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حِينَ تَنَازَعُوا فِي هَذَا الأَمْرِ عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ أَلاَ تَتَنَازَعُوا فِيهِ". (¬6)
¬__________
(¬1) الوكاء: ما يشدّ به رأس القربة. انظر الرازي، محمد بن أبي بكر: مختار الصحاح، (بيروت: مكتبة لبنان، 1988 م)، مادة "وك ي" ص 330.
(¬2) العِفَاص: جلد يلبسه رأس القارورة، وعفاص الراعي وعاؤه الذي تكون فيه النفقة. انظر ابن منظور: لسان العرب، ج 7، ص 55.
(¬3) التسويد في هذا الحديث والأحاديث التالية من عندنا لبيان موضع الإستشهاد.
(¬4) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب (28)، مج 1، ج 1، ص 38 - 39 الحديث (91).
(¬5) المصدر السابق، كتاب الإستئذان، باب (47)، مج 4، ج 7، ص 184 الحديث (6291).
(¬6) الترمذي، محمد بن عيسى بن سورة: سنن الترمذي، تحقيق وتصحيح عبد الرحمن محمد عثمان، (بيروت: دار الفكر، 1400 هـ / 1980 م)، أبواب القدر، باب (1)، ج 3، ص 300، الحديث (2133).

الصفحة 87