كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

ولكنّنا نجد الآيات لا تلتفت إلى خصوص الحادثة، وإنما وردت بصيغة عامة ومطلقة تجنُّبًا لتأثيرات المقام التي قد تؤدي إلى حصر النص في شخص معين، أو تقييده بمقام معين. ونفس الأمر بالنسبة لحكم اللعان. (¬1)
كذلك نجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتّجه في كثير من الأحيان هذا الإتجاه، فإذا وقعت واقعة وأراد أن يُصدر فيها حكمًا أو خطابًا توجيهيًّا، لم يركّز على خصوص الحالة التي دعت إلى ذلك، إنما يعمّم الحكم، فيخطب في الناس قائلاً: "ما بال أقوام ... "، "أيها الناس ... "، ومن أمثلة ذلك:
1 - أخرج أبو داود عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كاَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا بَلَغَهُ عَنِ الرَّجُلِ الشَّيْءُ لَمْ يَقُلْ: مَا بَالُ فُلاَنٍ يَقُولُ، وَلَكِنْ يَقُولُ: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا". (¬2)
2 - أخرج البخاري عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أنها "أَتَتْهَا بَرِيرَةُ تَسْأَلُهَا فِي كِتَابَتِهَا فَقَالَتْ: إِنْ شِئْتِ أَعْطَيْتُ أَهْلَكِ وَيَكُونُ الْوَلاَءُ لِي. فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ذَكَّرْتُهُ ذَلِكَ. قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ابْتَاعِيهَا فَأَعْتِقِيهَا فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". ثُمَّ قَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ الله مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ الله فَلَيْسَ لَهُ وَإِنِ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ". (¬3)
3 - أخرج البخاري عن قَتَادَة أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ في صَلاَتِهِمْ"، فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ: "ليَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ". (¬4)
¬__________
(¬1) وذلك في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ} [النور: 6] نزلت في هلال ابن أمية، وقيل عويمر العجلاني. انظر النيسابوري، مسلم بن الحجاج: صحيح مسلم، تحقيق وتصحيح محمد فؤاد عبد الباقي، (القاهرة: دار الحديث، ط 1، 1412 هـ/ 1991 م)، كتاب اللعان، ج 2، ص 1129 - 1138 الأحاديث (1492 - 1496).
(¬2) الألباني, محمد ناصر الدين: صحيح سنن أبي داود، (الرياض: مكتب التربية العربي لدول الخليج، د. ط، د. ت)، كتاب الأدب، باب (6)، ج 3، ص 909.
(¬3) صحيح البخاري، كتاب الشروط، باب (17)، مج 2، ج 3، ص 251، الحديث (2735).
(¬4) المصدر السابق، كتاب الأذان، باب (92)، مج 1، ج 1، ص 226 (الحديث (750).

الصفحة 98