كتاب التوكل

توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا، وتروح بطانًا" (¬1). فشبَّه حقيقة التوكل بمن يطلب الرزق من الطير، وطلبُ الرزقِ تشرُّفٌ.
قيل: تقدير الخبر: لرزقكم كما تُرزق فراخُ الطير الذين لا طلب لهم، تغدو الأمهاتُ خماصًا، وتروح بطانَا فتغذي فراخَها، ولم يرد بذلك الأمهات.
ويدل عليه ما تقدم من حديث عمران: "يَدخل الجنّةَ سبعون ألفًا بغير حساب وهم: الدين لا يكتوون ... " (¬2). فبين أن أعلى مقامات التوكل إذا لم يتعلق بالأسباب، التي هي الكيُّ؛ لأنه خرج مخْرَجَ المدح بإسقاط الحساب عنهم (¬3).
وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن أبي سليمان (¬4) قال: لو توكلنا على الله ما بنينا حائطًا على لَبِنتَيْنِ، ولا جعلنا على بابنا غلقًا (¬5).
قال (¬6): وقال زهير البابي (¬7): ..............
¬__________
(¬1) و (¬2) تقدم تخريجه (ص 34).
(¬3) يعني: فعل الأسباب مع التوكل على الله، وليس المراد محو الأسباب مطلقًا؛ فذلك قدح في العقل، ولم يأت به الشرع المطهر.
(¬4) عبد الرحمن بن أحمد الداراني، الدمشقي، من الزهاد المشهورين، له أخبار في الزهد (ت 215 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. له ترجمة في: حلية الأولياء لأبي نعيم (9/ 254)، ووفيات الأعيان لإبن خلكان (1/ 276).
(¬5) رواه عنه: ابن أبي الدنيا في كتاب التوكل (رقم 48) وأبو نعيم في الحلية (9/ 256). وما رُوي عن أبي سليمان -رَحِمَهُ اللهُ- غريب لا يوافق عليه، فاتخاذ البيوت وغلق الأبواب لا ينافي التوكل على الله، فسيد المتوكلين - صلى الله عليه وسلم - بنى بيوتًا، وباشر ذلك بيده، وأمر بغلق الأبواب، فالخير كله في اتباع السنة، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(¬6) القائل ابن أبي الدنيا في كتاب التوكل.
(¬7) زهير بن نعيم، أبو عبد الرحمن السجستاني، البصري، أحد العباد الزهاد المتقشفين (ت بعد 200 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. له ترجمة في: تهذيب الكمال للمزي (9/ 426).

الصفحة 40