كتاب التوكل

الحري (¬1). فقال أبو عبد الله: (علامة المريد قطيعة كل خليط لا يريد ما يريد) (¬2).
قوله: (قطيعة كل خليطٍ). يقطعه عن الله -عَزَّ وَجَلَّ-، لا يريد ما يريده الخليطُ، وذلك لقوله تعالى: {فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [يونس: 89]. وقال تعالى: {وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف: 142].
وكيف يستقيم على سنن الطريق من يتبع طريق الجاهلين. وفي الخبر عن الله تعالى: "يا موسى، كن يقظانا وأجد لنفسك أخدانًا، وكل خدن لك وصاحب لا يؤازرك على طاعتي فانبد عنك صحبته، إنَّما كان عدوًّا" (¬3).
وقد ذكر أبو طالب المكي (¬4) في جملة قوت القلوب فقال (¬5): "يحتاج المريد إلى سبع خصال؛ أربعة قواعد، وثلاثة أعلام، والقواعد الأربعة: الجوع، والسهر، والصمت، والخلوة. والأعلام الثلاثة: المعرفة بالطريق، والخشية، وطاعة الدليل".
أما الأربعة القواعد التي هي: الجوع، والسهر، والصمت، والخلوة؛ فهي:
¬__________
(¬1) كذا في المخطوط، وكأنه مقحم في الرواية.
(¬2) ذكره: ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/ 179) عند ذكره للأذني.
(¬3) أخرجه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (61/ 153) عن محمد بن نصر الحارثي، وأخرجه ابن بطة في: الشرح والأبانة على أصول السنة والديانة (رقم 172) بلفظ مقارب.
(¬4) محمد بن علي بن عطية، الحارثي، نشأ واشتهر بمكة، ثم رحل إلى البصرة فاتهم بالإعتزال، وهو فقيه، واعظ، زاهد، لكن حفظ الناس عنه أقوالاً هجروه لأجلها، صنف كتبًا منها: قوت القلوب، وعلم القلوب. (ت 386 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. ترجمته في: وفيات الأعيان (1/ 491) وميزان الإعتدال للذهبي (3/ 107).
(¬5) من هنا ابتدأ المؤلف بالنقل عن كتاب قوت القلوب (1/ 273 - 285 الفصل السابع والعشرون - كتاب أساس المريدين) حتى نهاية كلامه عن صفات المريد. لكنه ينقل بتصرف كثير؛ بتقديم وتأخير واختصار، وزيادة.

الصفحة 58