كتاب الملل والنحل (اسم الجزء: 2)

قالت الصابئة:
لقد حصرتمونا بإبطال تساوي العقول والنفوس، وإثبات الترتب والتضاد فيهما. ولا شك أن من سلم الترتب فقد لزمه الإتباع. فأخبرونا ما رتبة الأنبياء بالنسبة إلى نوع الإنسان؟ وما رتبتهم بالإضافة إلى الملك والجن وسائر الموجودات؟ ثم ما رتبة النبي عند الباري تعالى؟ فإن عندنا الروحانيات أعلى مرتبة من جميع الموجودات، وهم المقربون في الحضرة الإلهية، والمكرمون لديه، ونراكم تارة تقولون: إن النبي يتعلم من الروحاني، ونراكم تارة تقولون: إن الروحاني يتعلم من النبي.
أجابت الحنفاء:
بأن الكلام في المراتب صعب، ومن لم يصل إلى رتبة من المراتب كيف يمكنه أن يستوفي بيانها؟
لكنا نعرف أن رتبته بالنسبة إلينا رتبتنا بالنسبة إلى من هو دوننا في الجنس من الحيوان. فكما أنا نعرف أسامي الموجودات ولا يعرفها الحيوان، كذلك هم يعرفون خواص الأشياء وحقائقها، ومنافعها ومضارها، ووجوه المصالح في الحركات، وحدودها وأقسامها ونحن لا نعرفها.
وكما أن نوع الإنسان ملك الحيوان بالتسخير، فالأنبياء عليهم السلام ملوك الناس بالتدبير، وكما أن حركات الناس معجزات الحيوان، كذلك حركات الأنبياء معجزات الناس، لأن الحيوانات لا يمكنها أن تبلغ إلى الحركات الفكرية حتى تميز الحق من الباطل، ولا أن تبلغ إلى الحركات القولية حتى تميز الصدق من الكذب. ولا أن تبلغ إلى الحركات الفعلية حتى تميز الخير من الشر. فلا التمييز العقلي لها بالوجود، ولا مثل هذه الحركات لها بالفعل. وكذلك حركات الأنبياء، لان منتهى فكرهم لا غاية له، وحركات أفكارهم في مجالي القدس مما تعجز عنها قوة البشر، حتى يسلم لهم:

الصفحة 101