كتاب الملل والنحل (اسم الجزء: 2)

ويقبل الدنس والخبث. فما فوق الهواء من العوالم فهو من صفوه، وذلك عالم الروحانيات، وما دون الهواء من العوالم فهو من كدره، وذلك من عالم الجسمانيات، وهو كثير الأوساخ والأوضار، يتشبث به من سكن إليه فيمنعه من أن يرتفع علوا، ويتخلص منه من لم يسكن إليه, فيصعد إلى عالم كثير اللطافة، دائم السرور. ولعله جعل الهواء أول الأوائل لموجودات العالم الجسماني، كما جعل العنصر أول الأوائل لموجودات العالم الروحاني.
وهو على مثال مذهب تاليس إذ أثبت العنصر والماء في مقابلته. وهو قد أثبت العنصر والهواء في مقابلته، ونزل العنصر منزلة القلم الأول، والعقل منزلة اللوح القابل لنقش الصور، ورتب الموجودات على ذلك الترتيب. وهو أيضا من مشكاة النبوة اقتبس، وبعبارات القوم التبس.
4- رأي أنبادقليس 1:
وهو من الكبار عند الجماعة، دقيق النظر في العلوم، رقيق الحال في الأعمال. وكان في زمن داود النبي عليه السلام، مضى إليه وتلقى منه العلم، واختلف إلى لقمان الحكيم، واقتبس منه الحكمة، ثم عاد إلى يونان وأفاد.
قال: إن الباري تعالى لم تزل هويته فقط، وهو العلم المحض، وهو الإرادة المحضة، وهو الجود والعزة، والقدرة والعدل والخير والحق، لا أن هناك قوى مسماة بهذه الأسماء، بل هي: هو، وهو: هذه كلها. مبدع فقط لا أنه أبدع من شيء، ولا أن شيئا كان معه. فأبدع الشيء البسيط الذي هو أول البسائط المعقول، وهو العنصر الأول, ثم كثر الأشياء المبسوطة من ذلك المبدع البسيط الواحد الأول، ثم كون المركبات من المبسوطات.
__________
1 يطلق عليه الآن: إمبذ قليس 495 ق. م حـ 435 ق. م.

الصفحة 126