كتاب الملل والنحل (اسم الجزء: 2)

والبهاء. فليكن حرصكم واجتهادكم على الاتصال بذلك العالم، حتى يكون بقاؤكم ودوامكم طويلا بعد ما نالكم من الفساد والدثور وتصيرون إلى عالم هو حسن كله، وبهاء كله، وسرور كله، وعز وحق كله, ويكون سروركم ولذتكم دائمة غير منقطعة.
وقال: من كانت الوسائط بينه وبين مولاه أكثر فهو في رتبة العبودية أنقص. وإذا كان البدن مفتقرا في مصالحه إلى تدبير الطبيعة، وكانت الطبيعة مفتقرة في تأدية أفعالها إلى تدبير النفس، وكانت النفس مفتقرة في اختيارها الأفضل إلى إرشاد العقل، ولم يكن فوق العقل فاتح إلا الهداية الإلهية.! فبالحري أن يكون المستعين بصريح العقل في كافة المصارف مشهودا له بفطنة الاكتفاء بمولاه، وأن يكون التابع لشهوة البدن، المنقاد لدواعي الطبيعة، المواتي لهوى النفس بعيدا من مولاه، ناقصا في رتبته.
6- رأي سقراط:
سقراط1 بن سفر نيسقوس الحكيم، الفاضل، الزاهد من أهل أثينية. وكان قد اقتبس الحكمة من فيثاغورس وأرسالاوس، واقتصر من أصنافها على الإلهيات والأخلاقيات، واشتغل بالزهد ورياضة النفس, وتهذيب الأخلاق، وأعرض عن ملذات الدنيا، واعتزل إلى الجبل، وأقام في غاربه2.
ونهى الرؤساء الذين كانوا في زمانه عن الشرك وعبادة الأوثان، فثورا عليه الغاغة وألجأوا ملوكهم إلى قتله، فحبسه الملك، ثم سقاه السم. وقضيته معروفة.
قال سقراط: إن الباري تعالى لم يزل هوية فقط، وهو جوهر فقط. وإذا رجعنا
__________
1 جاء في قصة الفلسفة اليونانية س105 "ولد سقراط في أثينا حوالي سنة 470 ق. م من أب يحترف صناعة التماثيل، وأم قابلة. احترف حرفة أبيه ولبث يزاولها حينا قصيرا. ثم ترك هذه المهنة وتخصص للفلسفة التي اعتبرها رسالته في الحياة، وكان يعيش في أثينا مشتغلا بالفلسفة حتى إنهم في نحو سن السبعين بإنكار آلهة اليونان، والدعوة إلى آلهة جديدة، وأنه يفسد عقول الشبان، فحكم عليه بالإعدام وأعدم".
2 غارب الجبل: أعلاه.

الصفحة 141