كتاب الملل والنحل (اسم الجزء: 2)

عليهم أجمعين. وقد أمرهم أئمتهم وأنبياؤهم وكتابهم بذلك. وإنما بنى أسلافهم الحصون والقلاع بقرب المدينة لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم نبي آخر الزمان. فأمروهم بمهاجرة أوطانهم بالشام إلى تلك القلاع والبقاع، حتى إذا ظهر، وأعلن الحق بفاران1، وهاجر إلى دار هجرته يثرب هجروه، وتركوا نصره. وذلك قوله تعالى: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} 2.
وإنما الخلاف بين اليهود والنصارى ما كان يرتفع إلا بحكمه؛ إذ كانت اليهود تقول: {لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ} 3 وكانت النصارى تقول: {لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ} 4، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم: {لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ} 5، وما كان يمكنهم إقامتها إلا بإقامة القرآن الحكيم؛ وبحكم نبي الرحمة رسول آخر الزمان؛ فلما أبوا ذلك، وكفروا بآيات الله {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ} 6 الآية.
__________
1 فاران: جبال بالحجاز، كانت مظهر النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
2 البقرة آية 89.
3، 4 البقرة آية 113.
5 المائدة آية 68.
6 البقرة آية 61.
الفصل الأول: اليهود خاصة
مدخل
...
الفصل الأول: اليهود خاصة
هاد الرجل: أي رجع وتاب؛ وإنما لزمهم هذا الاسم؛ لقول موسى عليه السلام: - {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك} - أي رجعنا وتضرعنا.
وهم أمة موسى عليه السلام، وكتابهم التوراة، وهو أول كتاب نزل من السماء؛ أعني أن ما كان ينزل على إبراهيم وغيره من الأنبياء عليهم السلام ما كان يسمى كتاباً،

الصفحة 15