كتاب الملل والنحل (اسم الجزء: 2)

وأما برمنيدس الأصغر، فإنه أجاز قولهم في الإرادة، ولم يجزه في الفعل، وقال: إن الإرادة تكون بلا توسط من الباري تعالى فأجائز ما وصفوه. وأما الفعل فيكون بتوسط منه، وليس ما هو بلا توسط كالذي يكون بتوسط، بل الفعل قط لن يتحقق إلا بتوسط الإرادة، ولا ينعكس.
وأما الأولون مثل تاليس وأبندقليس، فقد قالوا: الإرادة من جهة المبدع هي المبدع، ومن جهة المبدع هي المبدع. وفسروا هذا بأن الإرادة من جهة الصورة هي المبدع، ومن جهة الأثر هي المبدع. ولا يجوز أن يقال إنها من جهة الصورة هي المبدع، لأن صورة الإرادة عند المبدع قبل أن يبدع، فغير جائز أن تكون ذات صورة الشيء الفاعل هي المفعول، بل من جهة أثر ذات الصورة هي المفعول. ومذهب أفلاطون وأرسطوطاليس هذا بعينه. وفي الفصل انغلاق.
الفصل الثاني: الحكماء الأصول
مدخل
...
الفصل الثاني: الحكماء الأصول
الحكماء الأصول؛ الذين هم من القدماء، إلا أنا لم نجد لهم رأيا في المسائل المذكورة غير حكم مرسلة عملية أوردناها، لئلا تشذ مذاهبهم عن القسمة، ولا يخلو الكتاب عن تلك الفوائد.
فمنهم الشعراء: الذين يستدلون بشعرهم. وليس شعرهم على وزن وقافية، ولا الوزن والقافية ركن في الشعر عندهم، بل الركن في الشعر عندهم إيراد المقدمات المخيلة فحسب. ثم قد يكون الوزن والقافية معينين في التخيل. فإن كانت المقدمة التي نوردها في القياس الشعري مخيلة فقط تمحض القياس شعريا، وإن انضم إليها قول إقناعي يقينيا تركبت المقدمة من معيين شعري وإقناعي، وإن كان الضميم إليه قولا يقينيا تركبت المقدمة من شعري وبرهاني.

الصفحة 153