كتاب الملل والنحل (اسم الجزء: 2)

وسئل: بأي شيء يخالف الناس في هذا الزمان البهائم؟ قال: بالشرور.
قال: وما رأينا العقل قط إلا خادما للجهل، وفي رواية للسجزي: إلا خادما للجد، والفرق بينهما ظاهر، فإن الطبيعة ولوازمها إذا كانت مستولية على العقل: استخدمه الجهل، وإذا كان ما قسم للإنسان من الخير والشر فوق تدبيره العقلي: كان الجد مستخدما للعقل، ويعظم جد الإنسان ما يعقل، وليس يعظم العقل ما يجد، ولهذا! خيف على صاحب الجد ما لم يخف على صاحب العقل. والجد أصم، أخرس، لا يفقه، ولا ينقه، وإنما هو ريح تهب، وبرق يلمع، ونار تلوح، وصحو يعرض، وحلم يمتع. وهذا اللفظ أولى، فإنه عمم الحكم فقال ما رأينا العقل قط، وقد يعرض للعقل أن يرى ولا يستخدمه الجهل، وذلك هو الأكثر.
وقال زينون: في الجرادة خلقة سبعة جبابرة رأسها رأس فرس، وعنقها عنق ثور، وصدرها صدر أسد، وجناحها جناح نسر، ورجلاها رجلا جمل، وبطنها بطن عقرب، وذنبها ذنب حية. هكذا ذكره زينون.
4- رأي ديمقريطيس وشيعته:
كان يقول في المبدع الأول: إنه ليس هو العنصر فقط، ولا العقل فقط، بل الأخلاط الأربعة، وهي الاسطقسات: أوائل الموجودات كلها، ومنها أبدعت الأشياء البسيطة كلها دفعة واحدة، وأما المركبة فإنها كونت دائمة دائرة، إلا أن ديمومتها بنوع، ودثورها بنوع. ثم إن العالم بجملته باق غير داثر، لأنه ذكر أن هذا العالم متصل بذلك العالم الأعلى، كما أن عناصر هذه الأشياء متصلة بلطيف أرواحها الساكنة فيها. والعناصر وإن كانت تدثر في الظاهر، فإن صفوها من الروح البسيط الذي فيها، فإذا كان كذلك فليس يدثر إلا من جهة الحواس، فأما من نحو العقل فإنه ليس يدثر، فلا يدثر هذا العالم إذا كان صفوها فيه، وصفوه متصل بالعوالم البسيطة.

الصفحة 158