كتاب الملل والنحل (اسم الجزء: 2)

المسألة التاسعة: في صدور نظام الكل، وترتيبه عنه
قال: قد بينا أن الجوهر يقال على ثلاثة أضرب: اثنان طبيعيان، وواحد غير متحرك. وقد بينا القول في الواحد غير المتحرك، وأما الاثنان الطبيعيان فهما: الهيولى والصورة، أو العنصر والصورة، وهما مبدأ الأجسام الطبيعية. وأما العدم فيعد من المبادئ بالعرض لا بالذات. فالهيولى جوهر قابل للصورة، والصورة معنى ما يقترن بالجوهر فيصير به نوعا، كالجزء المقوم له لا كالعرض الحال فيه، والعدم ما يقابل الصورة، فإنا متى توهمنا أن الصورة لم تكن فيجب أن يكون في الهيولى عدم الصورة. والعدم المطلق مقابل للصورة المطلقة، والعدم الخاص مقابل للصورة الخاصة.
قال: وأول الصورة التي تسبق إلى الهيولى هي الأبعاد الثلاثة فتصير جرما ذا طول, وعرض, وعمق، وهي الهيولى الثانية، وليست بذات كيفية. ثم تلحقها الكيفيات الأربع التي هي: الحرارة والبرودة الفاعلتان، والرطوبة واليبوسة المنفعلتان. فتصير الأركان والأسطقسات الأربعة التي هي: النار والهواء، والماء والأرض، وهي الهيولى الثالثة. ثم تتكون منها المركبات التي تلحقها الأعراض والكون والفساد، ويكون بعضها هيولى بعض.
قال: وإنما رتبنا هذا الترتيب في العقل والوهم خاصة دون الحس، وذلك أن الهيولى عندنا لم تكن معراة عن الصورة قط، فلم نقدر في الوجود جوهرا مطلقا قابلا للأبعاد ثم لحقته الأبعاد، ولا جسما عاريا عن هذه الكيفيات ثم عرض له ذلك، وإنما هو عند نظرنا فيما هو أقدم بالطبع، وأبسط في الوهم والعقل.
ثم أثبت طبيعة خامسة وراء هذه الطبائع لا تقبل الكون والفساد، ولا يطرأ عليها الاستحالة والتغير، وهي طبيعة السماء. وليس يعني بالخامسة طبيعة من جنس هذه الطبائع، بل معنى ذلك أن طبائعها خارجة عن هذه. ثم هي كلها على تركيبات يختص كل تركيب خاص بطبيعة خاصة، ويتحرك بحركة خاصة. ولكل متحرك محرك مزاول، ومحرك

الصفحة 185