كتاب الملل والنحل (اسم الجزء: 2)

والحركات إما مستقيمة وإما مستديرة، والاتصال لا يكون إلا للمستديرة، لأن المستقيم ينقطع، والاتصال أمر ضروري للأشياء الأزلية، فإن الذي يسكن ليس بأزلي، والزمان متصل، لأنه لا يمكن أن يكون قطعا مبتورة، فيجب من ذلك أن تكون الحركة متصلة، وإذا كانت المستديرة هي وحدها متصلة، فيجب أن تكون هي أزلية، فيجب أن يكون محرك هذه الحركة المستديرة أيضا أزليا، إذ لا يكون ما هو أخس علة لما هو أفضل، ولا فائدة في محركات ساكنة غير محركة كالصور الأفلاطونية، فلا ينبغي أن يضع هذه الطبيعة بلا فعل فتكون متعطلة غير قادرة أن تحيل وتحرك.
المسألة الثانية عشرة: في كيفية تركب العناصر
حكى فرفوريوس عنه أنه قال: كل موجود ففعله مثل طبيعته. فما كانت طبيعته بسيطة، ففعله بسيط. والله تعالى واحد بسيط، ففعل الله تعالى واحد بسيط. وكذلك فعله الاجتلاب إلى الوجود، فإنه موجود, لكن الجوهر لما كان وجوده بالحركة كان بقاؤه أيضا بالحركة، وذلك أنه ليس للجوهر أن يكون موجودا من ذاته بمنزلة الوجود الأول الحق، لكن من التشبه بذلك الأول الحق. وكل حركة تكون إما أن تكون مستقيمة، أو مستديرة، فالحركة المستقيمة يجب أن تكون متناهية، والجوهر يتحرك في الأقطار الثلاثة التي هي: الطول، والعرض، والعمق على خطوط مستقيمة، حركة متناهية، فيصير بذلك جسما. وبقي عليه أن يتحرك بالاستدارة على الجهة التي يمكن فيها حركة بلا نهاية، ولا يسكن في وقت من الأوقات، إلا أنه ليس يمكن أن يتحرك بأجمه حركة على الاستدارة وذلك أن الدائر يحتاج إلى شيء ساكن في وسط منه كالنقطة، فانقسم الجوهر، فتحرك بعضه على الاستدارة وهو الفلك، وسكن بعضه في الوسط.
قال: وكل جسم يتحرك فيماس جسما ساكنا وفي طبيعته قبول التأثير منه،

الصفحة 189