كتاب الملل والنحل (اسم الجزء: 2)

أحدث سخونة فيه، وإذا سخن لطف، وانحل، وخف، فكانت طبيعة النار تلي الفلك المتحرك. والجسم الذي يلي النار يبعد عن الفلك ويتحرك بحركة النار، فتكون حركته أقل، فلا يتحرك بأجمعه لكن جزء منه، فيسخن دون سخونة النار، وهو الهواء. والجسم الذي يلي الهواء لا يتحرك لبعده عن المحرك له، فهو بارد لسكونه، ورطب لمجاورة الهواء الحار الرطب، ولذلك انحل قليلا، وهو الماء. والجسم الذي في الوسط فإنه بعد في الغاية عن الفلك، ولم يستفد من حركته شيئا، ولا قبل منه تأثيرا، فيبس وبرد، وهو الأرض.
وإذ كانت هذه الأجسام تقبل التأثير بعضها عن بعض. وتختلط. يتولد عنها أجسام مركبة، وهي المركبات المحسوسات، التي هي المعادن، والنبات، والحيوان، والإنسان. ثم يختص بكل نوع طبيعة خاصة تقبل فيضا خاصا على ما قدره الباري جلت قدرته.
المسألة الثالثة عشرة: في الآثار العلوية
قال أرسطوطاليس: الذي يتصاعد من الأجسام السفلية إلى الجو ينقسم قسمين: أحدهما: أدخنة نارية بإسخان الشمس وغيرها. والثاني: أبخرة مائية، فتصعد إلى الجو وقد صحبتها أجزاء أرضية، فتتكاثف، وتجتمع بسبب ريح أو غيرها، فتصير ضبابا أو سحابا، فتصادفها برودة، فتعصر ماءً، وثلجا وبردا، فتنزل إلى مركز الماء، وذلك لاستحالة الأركان بعضها عن بعض، فكما أن الماء يستحيل هواء فيصعد، كذلك الهواء يستحيل ماء فينزل. ثم الرياح والأدخنة إذا احتقنت في خلال السحاب واندفعت مرة سمع لها صوت وهو الرعد، ويلمع من اصطكاكها وشدة صدمتها ضياء وهو البرق. وقد يكون من الأدخنة ما تكون الهنية، على مادتها أغلب، فيشتعل، فيصير شهابا ثاقبا، وهي الشهب. ومنها ما يحترق في الهواء، فيتحجر فينزل حديدا أو حجرا. ومنها ما يحترق نارا، فيدفعها دافع، فينزل صاعقة. من المشتعلات ما يبقى فيه الاشتعال، ووقف تحت

الصفحة 190