كتاب الملل والنحل (اسم الجزء: 2)

وقال آخر: ما سافر الإسكندر سفرا بلا أعوان، ولا آلة ولا عدة غير سفره هذا.
وقال آخر: ما أرغبنا فيما فارقت، وأغفلنا عما عاينت.
وقال آخر: لم يؤدبنا بكلامه كما أدبنا بسكوته.
وقال آخر: من يرى هذا الشخص فليتق، وليعلم أن الديون هكذا قضاؤها.
وقال آخر: قد كان بالأمس طلعته علينا حياة، واليوم النظر إليه سقيم.
وقال آخر: قد كان يسأل عما قبله، ولا يسال عما بعده.
وقال آخر: من شدة حرصه على الارتفاع انحط كله.
وقال آخر: الآن تضطرب الأقاليم، لأن مسكنها قد سكن.
وقال آخر: الآن وقت الانصراف، لأن الأشخاص يتوجهون من دار إلى دار، والله تعالى يبقى ولا يفنى.
حكم ديوجانس الكلي
...
3- حكم ديوجانس الكلبي:
وكان حكيما فاضلا متقشفا، لا يقتني شيئا، ولا يأوي إلى منزل، وكأنه من قدرية الفلاسفة لما يوجد في مدارج كلامه من الميل إلى القدر. قال: ليس الله تعالى علة الشرور، بل الله تعالى علة الخيرات والفضائل والجود والعقل. جعلها بين خلقه، فمن كسبها وتمسك بها نالها، لأنه لا يدرك الخيرات إلا بها.
وسأله الإسكندر يوما فقال: بأي شيء يكتسب الثواب؟ قال: بأفعال الخيرات، وإنك لتقدر أيها الملك أن تكتسب في يوم واحد ما لا تقدر الرعية أن تكسبه في دهرها.
وسأله عصبة من أهل الجهل: ما غذاؤك؟ قال: ما عفتم1، يعني الحكمة.
قالوا: فما عفت؟ قال: ما استطبتم، يعني: الجهل. قالوا: كم عبد لك؟
قال: أربابكم، يعني الغضب، والشهوة، والأخلاق الرديئة الناشئة منهما.
وقالوا له يوما: ما أقبح صورتك! قال: لم أملك الخلقة الذميمة فألام عليها.
__________
1 عاف الرجل الطعام والشراب يعافه عيافة: كرهه.

الصفحة 200