كتاب الملل والنحل (اسم الجزء: 2)

الحق، وهو الذي لا صورة له، وهو مبدع الصور، فالصور كلها تحتاج إليه، وتشتاق إليه، وذلك أن كل صورة تطلب مصورها وتحن إليه.
وقال: إن الفاعل الأول أبدع الأشياء كلها بغاية الحكمة, لا يقدر أحد أن ينال علل كونها، ولم كانت على الحال التي هي الآن عليها؟ ولا أن يعرفها كنه معرفتها، ولم صارت الأرض في الوسط، ولم كانت مستديرة ولم تكن مستطيلة ولا منحرفة؟ إلا أن يقول: إن الباري صيرها كذلك, وإنما كانت بغاية الحكمة الواسعة لكل حكمة.
وكل فاعل يفعل بروية وفكرة، لا بآنيته فقط بل يفصل فيه، فلذلك يكون فعله لا بغاية الثقافة والإحكام. والفاعل الأول لا يحتاج في إبداع الأشياء إلى روية وفكر، وذلك أنه ينال العلل بلا قياس، بل يبدع الأشياء ويعلم عللها قبل الروية والفكر. والعلل، والبرهان، والعلم، والقنوع, وسائر ما أشبه ذلك, إنما كانت أجزاء, وهو الذي أبدعها، وكيف يستعين بها، وهي لم تكن بعد؟!
5- حكم ثاوفرسطيس:
كان هذا الرجل من كبار تلامذة أرسطوطاليس وكبار أصحابه، واستخلفه على كرسي حكمته بعد وفاته، وكانت المتفلسفة في عهده تختلف إليه، وتقتبس منه. وله كتب الشروح الكثيرة، والتصانيف المعتبرة، وبالخصوص في الموسيقات.
فمما يؤثر عنه أنه قال: الإلهية لا تتحرك، ومعناه لا تتغير ولا تتبدل لا في الذات، ولا سنة الأفعال.
وقال: السماء مسكن الكواكب، والأرض مسكن الناس على أنهم مثل وشبه لما في السماء، فهم الآباء والمدبرون، ولهم نفوس وعقول مميزة ليس لها أنفس نباتية، فلذلك لا تقبل الزيادة ولا النقصان.

الصفحة 206