كتاب الملل والنحل (اسم الجزء: 2)

فصالحوا على أن يكون العالم السفلي خالصا لأهرمن سبعة آلاف سنة. ثم يخلي العالم ويسلمه إلى النور، والذين كانوا في الدنيا قبل الصلح أبادهم وأهلكهم. ثم بدأ برجل يقال له: كيومرث، وحيوان يقال له ثور فقتلهما. فنبت من مسقط ذلك الرجل ريباس، وخرج من أصل ريباس: رجل يسمى "ميشة"، وامراة تسمى: "ميشانة"؛ وهما أبوا البشر، ونبت من مسقط الثور: الأنعام، وسائر الحيوانات.
وزعموا أن النور خير الناس، وهم أرواح بلا أجساد، بين أن يرفعهم عن مواضع أهرمن، وبين أن يلبسهم الأجساد فيحاربون أهرمن. فاختاروا لبس الأجساد، ومحاربة أهرمن؛ على أن تكون لهم النصرة من عند النور، والظفر بجنود أهرمن، وحسن العاقبة. وعند الظفر به وإهلاك جنوده تكون القيامة.
فذاك سبب الامتزاج، وهذا سبب الخلاص.
2- الزروانية:
قالوا: إن النور أبدع أشخاصا من نور، كلها روحانية، نورانية، ربانية، ولكن الشخص الأعظم اسمه زروان شك في شيء من الأشياء، فحدث أهرمن الشيطان، يعني إبليس من ذلك الشك.
وقال بعضهم لا، بل إن زروان الكبير قام فزمزم1 تسعة آلاف وتسعمائة وتسعا وتسعين سنة، ليكون له ابن فلم يكن. ثم حدث نفسه وفكر، وقال: لعل هذا العلم ليس بشيء فحدث أهرمن من ذلك الهم الواحد، وحدث هرمز من ذلك العلم، فكانا جميعا في بطن واحد. وكان هرمز أقرب من باب الخروج، فاحتال أهرمن الشيطان حتى شق بطن أمه فخرج قبله وأخذ الدنيا.
وقيل: إنه لما مثل بين يدي زروان فأبصره ورأى ما فيه، من الخبث، والشرارة2، والفساد: أبغضه، ولعنه، وطرده، فمضى واستولى على الدنيا. وأما هرمز فبقي زمانا لا يدله
__________
1 زمزم الشيء. سمع صوته من بعيد وله دوي، وزمزم العلوج: تراطنوا.
2 من الشر وأصل الفعل: شر -شرا، وشرارة وشررا، اتصف بالشر.

الصفحة 39