كتاب الملل والنحل (اسم الجزء: 2)

إلى الفعل يجب أن يكون أمرا بالفعل، ويجب أن يكون غير ذات ما يحتاج إلى الخروج، فإن ما بالقوة لا يخرج بذاته من القوة إلى الفعل، بل بغيره. والروحانيات هي المحتاج إليها حتى تخرج الجسمانيات إلى الفعل، والمحتاج إليه كيف يساوي المحتاج؟
أجابت الحنفاء:
هذا الحكم الذي ذكرتموه، وهو كون الروحانيات موجودات بالفعل, غير مسلم على الإطلاق، لأن من الروحانيات ما يكون وجوده بالقوة، أو ما هو فيه وجود بالقوة، ويحتاج إلى ما وجوده بالفعل، حتى يخرجه من القوة إلى الفعل. فإن النفس لها استعداد القبول من العقل عندكم، والعقل له إعداد لكل شيء، وفيض على كل شيء، وأحدهما بالقوة والآخر بالفعل، وهذا لضرورة الترتب في الموجودات العلوية. فإن من لم يثبت الترتب فيها لم تتمشى له قاعدة أصلا، وإذا ثبت الترتب فقد ثبت الكمال في جانب، والنقصان في جانب، فليس كل روحاني كاملا من كل وجه، ولا كل جسماني ناقصا من كل وجه. فمن الجسمانيات أيضا ما وجوده كامل بالفعل، وسائر النفوس أيضا محتاجة إليه، وذلك أيضا لضرورة الترتب في الموجودات السفلية, وإن من لم يثبت الترتب لم تستمر له قاعدة عقلية أصلا، وإذا ثبت الترتب، فقد ثبت الكمال في جانب، والنقصان في جانب، فليس كل جسماني ناقصا من كل وجه.
قالت: وإذا سلمتم لنا أن هذا العالم الجسماني في مقابلة ذلك العالم الروحانين وإنما يختلفان من حيث أن ما في هذا العالم من الأعيان فهو آثار ذلك العالم وما في ذلك العالم من الصور فهو مثل هذا العالم، والعالمان متقابلان كالشخص والظل، وإذا أثبتم في ذلك العالم موجودا ما بالفعل كاملا تاما، حتى تصدر عنه سائر الموجودات: وجودا، ووصولا إلى الكمال فيجب أن تثبتوا في هذا العالم أيضا موجودا ما بالفعل كاملا تاما، حتى تصدر عنه صائر الموجودات: تعلما، ووصولا إلى الكمال.

الصفحة 71