كتاب الملل والنحل (اسم الجزء: 2)

أجابت الحنفاء:
بأن التماثل والتشابه في الصور البشرية والإنسانية مسلم لا مرية فيه، وإنما التنازع بيننا في النفس والعقل قائم، فإن عندنا النفوس والعقول على التضاد والترتب، وعلينا بيان ذلك، على مساق حدودكم، ومذاق أصولنا.
فقولكم إن النفس جوهر غير جسم هو كمال الجسم، محرك له بالاختيار، وذلك إذا أطلق النفس على الإنسان والملك، وهو كمال جسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة، إذا أطلق على الإنسان والحيوان، فقد جعلتم لفظ النفس من الأسماء المشتركة، وميزتم بين النفس الحيواني، والنفس الإنساني، والنفس الملكي، فهل زدتم فيه قسما ثالثا وهو النفس النبوي حتى يتميز عن الملكي، كما تميز الملكي عن الإنساني؟ فإن عندكم المبدأ النطقي للإنسان بالقوة، والمبدأ العقلي للملك بالفعل، فقد تغايرا من هذا الوجه، ومن حيث إن الموت الطبيعي يطرأ على الإنسان ولا يطرأ على الملك، وذلك تمييز آخر، فليكن في النفس النبوي مثل هذا الترتيب.
وأما الكمال الذي تعرضتم له، فإنما يكون كمالا للجسم إذا كان اختيار المحرك محمودا، فأما إذا كان اختياره مذموما من كل وجه صار الكمال نقصانا، وحينئذ يقع التضاد بين النفس الخيرة والنفس الشريرة، حتى تكون إحداهما في جانب الملكية، والثانية في جانب الشيطانية، فيحصل التضاد المذكور، كما حصل الترتب المذكور، فإن الاختلاف بالقوة والفعل اختلاف بالترتب، والاختلاف بالكمال والنقص والخير والشر اختلاف بالتضاد، فبطل التماثل.
ولا تظنن أن الاختلاف بين النفسين الخيرة والشريرة اختلاف بالعوارض، فإن الاختلاف بين النفس الملكية والشيطانية بالنوع، كما أن الاختلاف بين النفس الإنسانية والملكية بالنوع، وكيف لا يكون كذلك! والاختلاف ههنا بالقوة والفعل،

الصفحة 98