كتاب الملل والنحل (اسم الجزء: 3)

ونقصانه تعرف الأزمان والساعات، وهو تلو الشمس وقرينها, ومنها نوره, وبالنظر إليها تكون زيادته ونقصانه، وهؤلاء يسمون الجندريكينية أي عباد القمر, ومن سنتهم أن اتخذوا له صنما على شكل عجل يجره أربعة، وبيد الصنم جوهر, ومن دينهم أن يسجدوا له ويعبدوه، وأن يصوموا النصف من كل شهر ولا يفطروا حتى يطلع القمر. ثم يأتون صنمه بالطعام والشراب واللبن, ثم يرغبون إليه وينظرون إلى القمر ويسألونه حوائجهم. فإذا استهل الشهر علوا السطوح وأوقدوا الدخن ودعوا عند رؤيته ورغبوا إليه، ثم نزلوا عن السطوح إلى الطعام والشراب والفرح والسرور، ولم ينظروا إليه إلا على وجوه حسنة. وفي نصف الشهر إذا فرغوا من الإفطار, أخذوا في الرقص واللعب بالمعازف بين يدي الصنم والقمر.
الفصل الرابع: عبدة الأصنام
مدخل
...
الفصل الرابع: عبدة الأصنام
اعلم أن الأصناف التي ذكرنا مذاهبهم يرجعون آخر الأمر إلى عبادة الأصنام، إذا كان لا يستمر لهم طريقة إلا بشخص حاضر ينظرون إليه ويعكفون عليه، وعن هذا اتخذت أصحاب الروحانيات والكواكب أصناما زعموا أنها على صورتها. وبالجملة وضع الأصنام حيث ما قدروه إنما هو على معبود غائب حتى يكون الصنم المعمول على صورته وشكله وهيأته نائبا منابه وقائما مقامه، وإلا فنعلم قطعا أن عاقلا ما لا ينحت جسما بيده ويصوره صورة ثم يعتقد أنه إلهه وخالقه، وإله الكل وخالق الكل، إذ كان وجوده مسبوقا بوجود صانعه، وشكله يحدث بصنعة ناحته.
لكن القوم لما عكفوا على التوجه إليها؛ كان عكوفهم ذلك عبادة، وطلبهم الحوائج منها إثبات إلهية لها. وعن هذا كانوا يقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى

الصفحة 104