كتاب الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية لدى تلاميذه (اسم الجزء: 1)

الثواب والعقاب، وعلى هذا فالقياس الصحيح تعدية ذلك إلى سائر النجاسات إذا استحالت، وقد نبش النبي - صلى الله عليه وسلم - قبورَ المشركين من موضع مسجده، ولم ينقل التراب، وقد أخبر الله سبحانه عن اللبن أنه يخرج من بين فَرْث ودَمٍ، وقد أجمع المسلمون على أن الدابة إذا عُلفتْ بالنجاسة ثم حُبست وعُلفت بالطاهرات حل لبنها ولحمها، وكذلك الزوع والثمار إذا سقيت بالماء النجس ثم سقيت بالطاهر حلت لاستحالة وصف الخبث وتبدله بالطيب.
وعكس هذا أن الطيب إذ استحال خبيثًا صار نجسًا كالماء والطعام إذا إستحال بولا وعذرة، فكيف أثّرت الاستحالة في انقلابا الطيب خبيثًا ولم تؤثر في انقلاب الخبيث طيبًا؟ ! والله تعالى يخرج الطيب من الخبيث والخبيث من الطيب، ولا عبرة بالأصل، بل بوصف الشيء نفسه، ومن الممتنع بقاء حكم الخبث وقد زال اسمه ووصفه، والحكم تابع للاسم والوصف دائر معه وجودًا وعدمًا؛ فالنصوص المتناولة لتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر لا تتناول الزروع والثمار والرماد والملح والتراب والخل لا لفظًا ولا معنى ولا نصًّا ولا قياسًا. والمفرقون بين استحالة الخمر وغيرها قانوا: الخمر نجست بالاستحالة فطهرت بالاستحالة، فيقال لهم: وهكذا الدم والبول والعذرة إنما نجست بالاستحالة فتطهر بالاستحالة، فظهر أن القياس مع النصوص وأن مخالفة القياس في الأقوال التي تخالف النصوص) [إعلام الموقعين: 1/ 394] (¬1).
¬__________
(¬1) هذا النص ضمن الجواب الذي سبقت الإشارة إليه (ص 57 - 58)، وبعضه في "الفتاوى" (20/ 522)، ويبدو أن ابن القيم أضاف عليه بعض الإضافات، والله أعلم.

الصفحة 108