كتاب الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية لدى تلاميذه (اسم الجزء: 1)

فإن قلتم: الحكم في بعض الصور كذلك، قيل: هذا ممنوع عند من يقول: إن الماء لا ينْجُس إلا بالتغير.
فإن قيل: فيقاس ما لم يتغير على ما تغير، قيل: هذا من أبطل القياس حسًّا وشرعا، وليس جَعلُ الإزالة مخالفةً للقياس بأولى من جعل تنجيس الماء مخالفًا للقياس، بل يقال: إن القياس يقتضي أن الماء إذا لاقى نجاسة لا ينجس، كما أنه إذا لاقاها حال الإزالة لا ينجس، فهذا القياسُ أصحُّ من ذلك القياس؛ لأن النجاسة تزول بالماء حسًّا وشرعًا، وذلك معلوم بالضرورة من الدين بالنص والإجماع، وأما تنجيس الماء بالملاقاة فمورد نزاع، فكيف يجعل مورد النزاع حجة على مواقع الإجماع؟ ! والقياسُ يقتضي رد موارد النزاع إلى مواقع الإجماع.
وأيضًا فالذي تقتضيه العقولُ أن الماء إذا لم تغيره النجاسة لا ينجس؛ فإنه باقٍ على أصل خلقته، وهو طيب، فيدخل في قوله: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]، وهذا هو القياس في المائعات جميعها إذا وقع فيها نجاسة فاستحالت بحيث لم يظهر لها لون ولا طعم ولا ريح.
وقد تنازع الفقهاء: هل القياس يقتضي نجاسة الماء بملاقاة النجاسة إلا ما استثناه الدليل، أو القياس يقتضي أنه لا ينجس إذا لم يتغير؟ على قولين، الأول قول أهل العراق، والثاني قول أهل الحجاز، وفقهاء الحديث منهم من يختار هذا ومنهم من يختار هذا.

الصفحة 54