كتاب الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية لدى تلاميذه (اسم الجزء: 1)

قال: "إن الماء لا يجنب"، وهما نصان صريحان في أن الماء لا ينجس بالملاقاة، ولا يسلبه طَهُوريته استعماله في إزالة الحدث، ومَن نجَّسه بالملاقاة أو سَلبَ طَهُوريته بالاستعمال فقد جعله ينجس ويجنب.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت عنه في "صحيح البخاري" أنه سئل عن فأرة وقعت في سَمْن فقال: "ألقُوها وما حوله وكُلُوه"، ولم يفصل بين أن يكون جامدًا أو مائعًا، قليلا أو كثيرا، فالماء بطريق الأوْلى يكون هذا حكمه.
وحديث التفريق بين الجامد والمائع حديث معلول، وهو غلط من معمر من عدة وجوه، بيَّنها البخاري في "صحيحه" والترمذي في "جامعه" وغيرهما، ويكفي أن الزهري الذي روى عنه معمر حديث التفصيل قد روى عنه الناسُ كلهم خلاف ما روى عنه معمر، وسئل عن هذه المسألة فأفتى بأنها تُلقَى وما حولها ويؤكل الباقي في الجامد والمائع والقليل والكثير، واستدل بالحديث، فهذه فُتْياه، وهذا استدلاله، وهذه رواية الأئمة عنه.
فقد اتفق على ذلك النص والقياس، ولا يصلح للناس سواه، وما عداه من الأقوال فمتناقض لا يمكن صاحبه طرده كما تقدم، فظهر أن مخالفة القياس فيما خالف النص لا فيما جاء به النص) [إعلام الموقعين: 1/ 391 - 394] (¬1).
¬__________
(¬1) هذا الكلام نقله ابن القيم عن شيخ الإسلام ضمن جواب طويل له حول ما يقول فيه بعض الفقهاء إنه بخلاف القياس، وأضاف عليه بعض الإضافات التي تبين كلام شيخ الإسلام وتوضحه، وقد أشار إلى ذلك في أول النقل، فقال (1/ 383 - 384): (وسألت شيخنا - قدس الله روحه عما يقع في كلام كثير من الفقهاء من قولهم: هذا خلاف القياس، لما ثبت بالتص أو قول الصحابة أو بعضهم، وربما كان مجمعا عليه، =

الصفحة 57