كتاب توجيه اللمع

قال ابن جني: فإن اتصل حرف جر, أو ظرف, أو مصدر, جاز أن تقيم كل واحد منهما مقام الفاعل, تقول: سرت بزيد فرسخين يومين سيرًا شديدًا, فإن أقمت الباء وما عملت فيه مقام الفاعل قلت: سير بزيد فرسخين يومين سيرًا شديدًا, فالياء وما عملت فيه في موضع رفع, فإن أقمت الفرسخين مقام الفاعل, قلت: سير بزيد فرسخان يومين سيرًا شديدًا, فإن أقمت اليومين مقام الفاعل, قلت: سير بزيد فرسخين يومان سيرًا شديدًا, فإن أقمت المصدر مقام الفاعل, قلت: سير بزيد فرسخين يومين سير شديد, ترفع الذي تقيمه مقام الفاعل بفعله لا غير, فإن كان هناك مفعول به صحيح لم تقم مقام الفاعل غيره, تقول: ضربت زيدًا يوم الجمعة ضربًا شديدًا, فإن لم تسم الفاعل, قلت: ضرب زيد يوم الجمعة ضربًا شديدًا ترفع, زيدًا في هذه المسألة لا غير.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
= ذكر الفعل جاز إضمار المصدر والإشارة إليه, فمن الإضمار قوله تعالى: {ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانًا كبيرًا} أي: فما يزيدهم التخويف. ومن الإشارة قوله تعالى: {قال لا يأتكما طعام ترزقانه إلا نبأنكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي} أي: ذلكما التنبيء, والصواب عندي في هذه المسألة أن يكون أصل الكلام مع الفاعل: قامه زيد وقعده عمرو بإضمار المصدرين, فلما بنيا للمفعول صار البارز المنصوب مستكنًا مرفوعًا.
قال ابن الخباز: واعلم أن الفعل غير المتعدى يتعدي إلى المصدر, وإلى ظرفي الزمان والمكان, وإلى الاسم بحرف الجر, كقولك: سرت بزيد فرسخين يومين سيرًا شديدًا, فإذا تعدى إلى أحد هذه الأِشياء أو إلى جميعها, جاز بناؤه لما لم يسم فاعله, لأن معك ما تقيمه مقام الفاعل, فإن أقمت حرف الجر مقام الفاعل: قلت: سير بزيد فرسخين يومين سيرًا شديدًا, فالباء وما عملت فيه في موضع رفع, والدليل على ذلك وجهان: / أحدهما: أن تقديمه لا يجوز فلا تقول: بزيد سير. والثاني: أنك لو 30/ب عطفت عليه اسمًا لجاز رفعه, كقولك: سير بزيد وعمرو. ومن أبيات الكتاب:
39 - جئنا بمثل بني بدر لقومهم ... أو مثل أسره منظور بن سيار =

الصفحة 130