كتاب شرح كلمة الإخلاص لابن رجب

Wوَبَعدَ أَهلِ الرِّيَاءِ يَدخُلُ النَّارَ أَصحَابُ الشَّهَوَاتِ، وَعَبِيدُ الهَوَى، الَّذِينَ أَطَاعُوا هَوَاهُم، وَعَصَوا مَولاهُم، فَأَمَّا عَبِيدُ اللهِ حَقّاً فَيُقَالُ لَهُم: {يا أيتها النفس المطمئنة - ارجعي إلى ربك راضية مرضية - فادخلي [في] عبادي - وادخلي جنتي} [الفجر:27 - 30]
نَارُ جَهَنَّمَ تَنطَفِئُ بِنُورِ إِيمَانِ المُوَحِّدِينَ، في الحَدِيثِ: «تَقُولُ النَّارُ لِلمُؤمِنِ: جُزْ، فَقَد أَطفَأَ نُورُكَ لَهَبِي» (¬1).
وَفِي «المُسنَدِ» عَن جَابِرٍ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لا يَبقَى مُؤمِنٌ وَلا فَاجِرٌ إِلاَّ دَخَلَهَا، فَتَكُونُ عَلَى المُؤمِنِينَ بَردَاً وَسَلاماً، كَمَا كَانَت عَلَى إِبرَاهِيمَ، حَتَّى إِنَّ لِلنَّارِ ضَجِيجاً مِن بَردِهِم» (¬2).
¬__________
(¬1) هذا الحديث من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، وهو ضعيفٌ جداً، فقد أخرجه الطبراني في «الكبير» (22/ 258 - 259)، وابن عدي في «الكامل» (6/ 394)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (رقم 369).
قال فيه ابنُ رجب في «التخويف من النار» (ص 202): (هذا حديثٌ غريبٌ، وفيه نكارة)، وقال ابنُ كثير في «النهاية» (2/ 93): (هذا حديثٌ غريبٌ جدَّاً).
(¬2) جزءٌ من حديث الورود، أخرجه أحمد في «المسند» (رقم 14520)، وعبد بن حميد كما في «المنتخب من مسنده» (رقم 1106)، والحارث بن أسامة في «مسنده» (رقم 1127 بغية الباحث)، والحاكم في «المستدرك» (4/ 587)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (رقم 364)، وهو حديثٌ ضعيفٌ لا يصح مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أخرج مسلم في «صحيحه» (رقم 191) عن جابرٍ موقوفاً عليه أنه سئل عن «الورود» فأجاب بكلامٍ طويلٍ، فيه ذكر الرؤية والشفاعة، وفيه: (قال: فينْطَلِقُ بهِم [يعني: الربُّ سبحانَه وتعالى] ويَتَّبعونَهُ ويُعطَى كُلُّ إنسَانٍ منهُم - منافقٍ أو مؤمنٍ - نُوراً، ثُمَّ يَتَّبعونهُ وعَلَى جِسرِ جَهَنَّمَ كَلالِيبُ وَحَسَكٌ تأخُذُ من شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَطْفَأُ نورُ المنافقينَ ثُمَّ ينجُو المؤمنُونَ ....)، قلتُ: فلو كان عند جابرٍ رضي الله عنه شيءٌ محفوظٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن «الورود»، لذكره في جوابه، ولم يعدِل عنه إلى قولِ نفسِه، إضافة إلى ما بين السياقين -المرفوع والموقوف- من الفرق الظاهر في المعنى، فتأمَّل.

الصفحة 103