كتاب شرح كلمة الإخلاص لابن رجب
Wنَارُ المَحَبَّةِ فِي قُلُوبِ المُحِبِّينَ تَخَافُ مِنهَا نَارُ جَهَنَّمَ.
قَالَ الجُنَيدُ [رضي الله عنه]: قَالَت النَّارُ: يَا رَبِّ لَو لَم أُطِعكَ هَل كُنتَ تُعَذِّبنِي بِشَيءٍ؟، قَالَ: نَعَم كُنتُ أُسَلِّطُ عَلَيكَ نَارِي الكُبرَى، قَالَت: وَهَل نَارٌ أَعظَمُ مِنِّي وَأَشَدُّ؟ قَالَ: [نعم]، نَارُ مَحَبَّتِي أَسكَنتُهَا قُلُوبَ أَولِيَائِي المُؤمِنِينَ (¬1).
قِفَا قَلِيلاً بِهَا عَلَيَّ فَلا ... أَقَلَّ مِن نَظرَةٍ أُزَوَّدُهَا (¬2)
فَفِي فُؤَادِ المُحِبِّ نَارُ هَوَى (¬3) ... أَحَرُّ نَارِ الجَحِيمِ أَبرَدُهَا (¬4)
[فـ] لَولا دُمُوعُ المُحِبِّينَ تُطفِيءُ بَعضَ حَرَارَةِ الوَجدِ لاحتَرَقُوا كَمَدَاً.
دَعُوهُ يُطفِي بِالدُّمُوعِ حَرَارَةً ... عَلَى كَبِدٍ حَرَّى دَعُوهُ دَعُوهُ!
سَلُوا عَاذِلِيهِ يَعذُرُوهُ هُنَيهَةً ... فَبِالعَذَلِ دُونَ الشَّوقِ قَد قَتَلُوهُ (¬5)
كَانَ بَعضُ العَارِفِينَ (¬6) يَقُولُ: أَلَيسَ عَجَباً أَن أَكُونَ حَيَّاً بَينَ
¬__________
(¬1) قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- في تعليقه على «جامع الرسائل والمسائل النجدية» (4/ 866): (إنْ صَحَّ هذا عن الجُنَيد فمراده منه أنَّ نارَ الحُبِّ أشدُّ حَرَّاً من جهنم بطريقة التمثيل لا الرِّواية، وهو أشبَهُ بكلامِ جَهَلَةِ الصوفِيَّة منه بكلام الإمام الجُنَيد).
(¬2) في نسخة (ب): أُرَدِّدُهَا.
(¬3) في نسخة (ب): نَارُ جَوَى. قال في «القاموس»: (الْجَوَى: هَوَى بَاطِنٌ).
(¬4) البيتان من قصيدةٍ للمتنبِّي يمدح بها محمَّد بنَ عبيدِ الله العلوي، مطلعها:
أَهلاً بِدَارٍ سَبَاكَ أَغْيَدُهَا ... أَبْعَدَ مَا بَانَ عَنْكَ خُرَّدُهَا
ينظر: «ديوان المتنبي بشرح أبي البقاء العكبري» (1/ 296).
(¬5) هذان البيتان نسبهما ابن الجوزي في «المدهش» (ص 407) لابن المعتز، ولم أقف عليهما في المطبوع من ديوانه.
(¬6) ذكره ابن الجوزي في «صفة الصفوة» (2/ 281 - 282) ونسبه إلى إحدى عابدات مكة ولم يُسَمِّها.
الصفحة 106
167