كتاب شرح كلمة الإخلاص لابن رجب

قَالَ بَعضُ السَّلَفِ: كَانَ إِبرَاهِيمُ عليه السلام يَقُولُ: اللَّهُمَّ لا تُشرِكُ مَن كَانَ يُشرِكُ بِكَ بِمَن كَانَ لا يُشرِكُ بِكَ. كَانَ بَعضُ السَّلَفِ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ قُلتَ عَن أَهلِ النَّارِ إِنَّهُم أَقسَمُوا بِاللَّهِ جَهدَ أَيمَانِهِم لا يَبعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ (¬1)، وَنَحنُ نُقسِمُ بِاللَّهِ جَهدَ أَيمَانِنَا: لَيَبعَثَنَّ اللَّهُ مَن يَمُوتُ، اللَّهُمَّ لا تَجمَع بَينَ أَهلِ القَسَمَينِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ.
كَانَ أَبُو سُلَيمَانَ يَقُولُ: إِن طَالَبَنِي بِبُخلِي طَالَبتُهُ بِجُودِهِ، وَإِن طَالَبَنِي بِذُنُوبِي طَالَبتُهُ بِعَفوِهِ، وَإِن أَدخَلَنِي النَّارَ أَخبَرتُ أَهلَ النَّارِ أَنِّي كُنتُ أُحِبُّهُ.
مَا أَطيَبَ وَصلَهُ وَمَا أَعذَبَهُ ... وَمَا أَثقَلَ هَجْرَهُ وَمَا أَصعَبَهُ
في السُّخطِ وَفي الرِّضَى ما أَهيَبَهُ (¬2) ... القَلبُ يُحِبُّهِ وَإِن عَذَّبَهُ!
وَكَانَ بَعضُ العَارِفِينَ (¬3) يَبكِي طُولَ لَيلِهِ، وَيَقُولُ: إِن تُعَذِّبنِي فَإِنِّي لَكَ مُحِبٌّ، وَإِن تَرحَمنِي فَإِنِّي لَكَ مُحِبٌّ.
العَارِفُونَ يَخَافُونَ مِنَ الحِجَابِ أَكثَرَ مِمَّا يَخَافُونَ مِنَ العَذَابِ (¬4)، قَالَ ذُو النُّونِ: خَوفُ النَّارِ عِندَ خَوفِ الفِرَاقِ كَقَطرَةٍ فِي بَحرٍ لُجِّيٍّ (¬5).
¬__________
(¬1) يشير إلى قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقَّاً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [النحل:38].
(¬2) في نسخة (ب): في السُّخْطِ والرِّضَى فَمَا أَهْيَبَهُ.
(¬3) هو: عتبة بن أبان الغلام، أسنده عنه: أبو نعيم في «الحلية» (6/ 226).
(¬4) قال ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (1/ 27): (عذابُ الحِجَابِ أعظمُ أنواعِ العذابِ، ولَذَّةُ النَّظَرِ إلى وجهِهِ أعلَى اللَّذَّاتِ).
(¬5) عزاه إليه أبو طالب المكي في «قوت القلوب» (1/ 377)، والغزالي في «إحياء علوم الدين» (4/ 168).

الصفحة 154