كتاب شرح كلمة الإخلاص لابن رجب
مَآبٍ} [الرعد:29]، وقال تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُم جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقنَا مِن قَبلُ} [البقرة:25]، وقال تعالى: {وَمَن يَأتِهِ مُؤمِنًا قَد عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ العُلَى (75) جَنَّاتُ عَدنٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى} [طه:75 ـ 76].
والآيات في هذا المعنى كثيرة، فدخولُ الجنَّة مرَتَّبٌ على الإيمان والعمل الصالح.
وهذه الأحاديث التي سُئِلَ فيها الرسول صلى الله عليه وسلم عمَّا يُدْخِلُ الجنَّة ويُبَاعِدُ عن النَّار لم يقتصر في الجواب عن ذلك على قوله للسائل مثلاً: «قل: لا إله إلا الله» فقط، بل قال له: «تعبدُ الله ولا تشركُ به شيئاً»، أي: تخلص في العبادة لله، وهذا الجواب هو معنى «لا إله إلا الله»، ثم قال له أيضاً: «وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرَّحِم»، فجمع في جوابه هذا بين التوحيد والعمل الصالح.
ومن هذا الجنس أيضاً حديث معاذ المشهور الذي أخرجه الترمذي وغيره، -وهو من أحاديث «الأربعين النووية» -، قال: قلتُ: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال: «لقد سَأَلتَ عن عَظِيمٍ، وإنَّهُ لَيَسِيرٌ على مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيهِ، تَعبُدُ الله وَلا تُشْرِكُ بِهِ شَيئاً، وتُقِيمُ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ البَيتَ» (¬1)، فذكر له أصول الإسلام ومبانيه العظام، وجعل ذلك هو السبب في دخول الجنة والنجاة من النار، فلم يقصر جوابه على قوله: «تعبد الله ولا تشرك به شيئاً» مع أن قوله: «تعبد الله ولا تشرك به شيئاً» يقتضي العمل، ويقتضي إخلاص العبادة لله وحده.
فهذه الأحاديث موافقة لما جاء في القرآن تمام الموافقة.
¬__________
(¬1) أخرجه الترمذي في «جامعه» (رقم 2616)، وابن ماجه في «سننه» (رقم 3973)، والإمام أحمد في «المسند» (رقم 22016)، وغيرهم.
والحديث بمجموع طرقه ثابتٌ محفوظٌ، قال الترمذي: (هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ)، وصحَّحه العلامة ابن القيم في «إعلام الموقعين» (4/ 259) وغيره.
الصفحة 51
167