كتاب شرح كلمة الإخلاص لابن رجب

Wوقد ذهبَ طائفةٌ إلى أنَّ هذه الأحاديث المذكورة أوَّلاً وما في مَعنَاها كانت قَبلَ نُزُولِ الفَرَائضِ والحدودِ، منهم: الزُّهريُّ (¬1) والثَّوريُّ (¬2) وغيرُهما (¬3)، وهذا بَعيدٌ جدَّاً؛ فإنَّ كثيراً منها كانَ بالمدِينةِ بَعدَ نُزُولِ الفرائِضِ والحُدودِ، وفي بَعضِها أنَّه كَانَ في غَزوَةِ تَبوكٍ، وهي في آخِرِ حَياةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وهؤلاءِ منهُم مَن يقولُ في هذهِ الأَحادِيثِ: إنَّها مَنسُوخةٌ، ومنهم مَن يقولُ: هي مُحكَمَةٌ، ولكنْ ضُمَّ إِليها شَرَائِطُ، ويَلتَفِتُ هذا إلى أنَّ الزِّيَادةَ على النَّصِّ هل هي نَسخٌ أم لا؟ والخلافُ في ذلك بين الأُصُوليِّين مشهورٌ (¬4).
وقد صَرَّح الثوريُّ (¬5) وغيرُه بأنها منسوخةٌ، وأنَّه نَسَخَهَا الفَرَائِضُ والحُدُودُ، وقد يكونُ مرادُهم بـ «النَّسْخِ» البيانَ والإيضاحَ؛
¬__________
(¬1) ينظر: «جامع الترمذي» (5/ 23 - 24)، و «الإبانة الكبرى» لابن بطة - قسم الإيمان (2/ 896 رقم 1248).
(¬2) ينظر: «الترغيب والترهيب» للمنذري (2/ 623 - 624).
(¬3) منهم: سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وعروة بن الزبير، والضحاك بن مزاحم. [ينظر: «الإبانة» لابن بطة - قسم الإيمان (2/ 896 رقم 1249)، و «شرح ابن بطال على البخاري» (1/ 208)، و «إكمال المعلم بفوائد مسلم» (1/ 254)]، وهو اختيار الآجري في «الشريعة» (2/ 554 - 555).
(¬4) ينظر: «كشف الأسرار» (3/ 191)، و «روضة الناظر» (1/ 305 - 310)، و «البحر المحيط» للزركشي (4/ 143 - 148)، و «إعلام الموقعين» (2/ 293 وما بعدها).
(¬5) تصحَّف في الأصل إلى «النَّوَويّ»، وهو خطأ بيِّنٌ، يأباه السياق.

الصفحة 58