كتاب شرح كلمة الإخلاص لابن رجب
الرَّابِعَةِ، وإنْ كَانَ ذَلك لا يُخرِجُ عن المِلَّةِ بالكُلِّيَّةِ، ولهذا قَالَ السَّلَفُ: كُفرٌ دُونَ كُفرٍ، وشِركٌ دُونَ شِركٍ.
وقد وَرَدَ إطلاقُ «الإِلَه» على الهوَى المُتَّبَع؛ قال تعالى: {أرأيت من اتخذ إلهه هواه} [الفرقان:43]، قَالَ الحسنُ: هو الَّذِي لا يَهْوَى شيئاً إلا رَكِبَهُ (¬1).
وقَالَ قَتَادَةُ: هو الَّّذِي كُلَّمَا هَوَى شَيئاً رَكِبَهُ، وكُلَّمَا اشْتَهَى شَيئاً أَتَاهُ، لا يَحْجِزُهُ عن ذلك وَرَعٌ ولا تَقوَى (¬2).
ورُوِيَ من حديثِ أبي أُمَامَةَ مرفوعاً بإسنادٍ ضَعِيفٍ: «مَا تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ إِلَهٌ يُعبَدُ أَعظَمُ عِندَ اللَّهِ مِن هَوًى مُتَّبَع» (¬3).
وفي حَدِيثٍ آخَرَ: «لا تَزَالُ «لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ» تَدفَعُ عَن أَصحَابِهَا، حَتَّى يُؤثِرُوا دُنيَاهُم علَى دِينِهِم، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ رُدَّت عَلَيهِم، وَقِيلَ لهم: كَذَبْتُم» (¬4).
ويَشهَدُ لذَلِكَ الحَدِيثُ الصَّحِيحُ عن النبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «تَعِسَ عَبدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبدُ الدِّرْهَمِ، تَعِسَ عَبدُ القَطِيفَةِ، تَعِسَ عَبدُ الخَمِيصَةِ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ, وَإِذَا شِيكَ فَلا انتَقَشَ» (¬5).
¬__________
(¬1) أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (8/ 2700)، والفريابي في «صفة النفاق» (ص 52).
(¬2) أخرجه الطبري في «تفسيره» (21/ 93).
(¬3) أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» (رقم 3)، وأبو يعلى في «مسنده» -كما في «المطالب العالية» (رقم 2990) -، والطبراني في «الكبير» (رقم 7502)، وإسناده ضعيفٌ جداً، بل حَكَمَ بوضعِه ابنُ الجوزي في «الموضوعات» (3/ 139)، والألبانيُّ في «الضعيفة» (رقم 6538).
(¬4) هذا الحديث قد روي مرفوعاً من طُرُقٍ عديدةٍ، عن جماعةٍ من الصحابة، منهم: أنس بن مالك، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وغيرُهم، ولا يصح من هذه الطرق شيء، بل كلُّها شديدةُ الضَّعْف، وضَعْفُها بَيِّنٌ ظاهرٌ.
(¬5) أخرجه البخاريُّ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (رقم 2730).
الصفحة 69
167