كتاب شرح كلمة الإخلاص لابن رجب
وللصوفية مصطلحات كثيرة، فتلميذ الشيخ الذي يتلقَّى منه التربية في السلوك والعبادة والأعمال يسمونه «المريد»، ولهم أيضاً مصطلحات بدعية فيما يُشْرَع -بزعمهم- للسَّالِكِ، كمصطلح «الفَنَاء» (¬1)، و «الاصْطِلاَم» (¬2)، و «الجَمْعِيَّة» (¬3) إلى غير ذلك.
وهذه القصة التي أوردها المؤلِّف -رحمه الله- في هذا المقام إنما أوردها للاستشهاد بها، ولا بأس من الاستشهاد في بعض الأمور التي يُقصَدُ منها تقريرُ أمرٍ صَحِيحٍ.
وقول هذا العارف: (لا ينال أحدٌ مرادَه حتى ينفرد فَرْدَاً بِفَرْدٍ) هذا من عباراتهم، وقد نقل ابن القيم في «مدارج السالكين» عن بعض شيوخ الصوفية - وهو الجُنَيْد رحمه الله - أنه قال في تعريف التوحيد: (هو إِفْرَادُ القَدِيمِ عن المحدَث) (¬4).
¬__________
(¬1) «الفناء» من المقامات العالية عند الصوفية، من بلغها صار -عندهم- من الأولياء المقرَّبين.
وقد اختلفت عباراتهم في تعريفه، كل بحسب مسلَكِه ومعتَقَدِه، وقد بَيَّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في «مجموع الفتاوى» في مواضع، منها: (10/ 337 - 343) و (2/ 313 - 314)، وانظر أيضاً "العقيدة التدمرية وشرحها" للشارح -حفظه الله- (ص 590 - 594).
(¬2) «الاصطلام» - عندهم -: هو وَلَهٌ يَرِدُ على القلب فيَسكُنُ تحتَ سُلطَانِه.
ينظر: «لطائف الأعلام في إشارات أهل الإلهام» (ص 185) و «اصطلاحات الصوفية» (ص 55) كلاهما للقاشاني، و «معجم مصطلحات الصوفية» للحفني (ص 17).
(¬3) «الجمعية» - عندهم -: هي اجتماع الهَمِّ في التوَجُّه إلى الله تعالى، والاشتغال به عمَّا سِوَاه.
ينظر: «اصطلاحات الصوفية» للقاشاني (ص 67) و «معجم مصطلحات الصوفية» للحفني (ص 67).
وانظر أيضاً كلاماً للعلامة ابن القيم حول هذا المصطلح في «مدارج السالكين» (1/ 86).
(¬4) قال ابن القيم في «مدارج السالكين» (3/ 444 - 446) معلِّقاً على كلمة ابن الجنيد هذه:
(أشار الجنيدُ إلى أنَّه لا تصح دعوى التوحيد ولا مقامُه ولا حالُه، ولا يكون العبدُ موحِّدَاً إلا إذا أفرد القديم عن المحدَث، فإنَّ كثيراً ممن ادَّعى التوحيد لم يُفرِدهُ سبحانه من المحدَثَات، .... وهذا الإفراد الذي أشار إليه الجنيد نوعان:
أحدهما: إفراد في الاعتقاد والخبر، وذلك نوعان أيضاً:
أحدهما: إثباتُ مباينة الرب تعالى للمخلوقات، وعُلوِّه فوق عرشه من فوق سبع سموات.
والثاني: إفراده سبحانه بصفات كماله وإثباتها له على وجه التفصيل كما أثبتها لنفسه وأثبتها له رسله منزهة عن التعطيل والتحريف والتمثيل والتكييف والتشبيه، وفي هذا النوع يكون إفراده سبحانه بعموم قضائه وقدره لجميع المخلوقات أعيانها وصفاتها وأفعالها، وأنها كلها واقعة بمشيئته وقدرته وعلمه وحكمته.
فيباين صاحب هذا الإفراد سائر فرق أهل الباطل من الاتحادية والحلولية والجهمية الفرعونية الذين يقولون ليس فوق السموات رب يعبد، ولا على العرش إله يصلى له ويسجد، والقدرية الذين يقولون: إن الله لا يَقْدِر على أفعال العباد من الملائكة والإنس والجن، ولا على أفعال سائر الحيوانات، بل يقع في ملكه ما لا يريد، ويريد ما لا يكون.
والنوع الثاني من الإفراد: إفراد القديم عن المحدَث بالعبادة من التألُّه والحبِّ والخوف والرَّجاء والتعظيم والإنابة والتوكُلِّ والاستعانة وابتغاء الوسيلة إليه.
فهذا الإفراد وذلك الإفراد بهما بُعِثَت الرُّسُلُ، وأُنزِلَت الكتبُ، وشُرِعت الشَّرائع، ولأجل ذلك خلقت السموات والأرض، والجنة والنار، وقام سوق الثواب والعقاب، فتفريد القديم سبحانه عن المحدَث في ذاتِه وصفاتِه وأفعالِه، وفي إرادتِه وحدَه ومحبتِه وخوفِه ورجائِه، والتوكُّل عليه، والاستعانة والحلف به، والنذر له، والتوبة إليه، والسجود له، والتعظيم والإجلال وتوابع ذلك، ولذلك كانت عبارةُ الجنيد عن التوحيد عبارةً سادَّةً مُسَدَّدةً).
وانظر أيضاً «الاستقامة» لابن تيمية (1/ 92 - 93).
الصفحة 80
167