كتاب شرح كلمة الإخلاص لابن رجب
Wقَولُهُ: «لا إِلَهَ إِلاَّ الله» تَقتَضِي أَلاَّ يُحِبَّ سِوَاهُ، فَإِنَّ الإِلَهَ هُوَ الَّذِي يُطَاعُ، مَحَبَّةً وَخَوفاً وَرَجَاءً.
وَمِن تَمَامِ مَحَبَّتِهِ مَحَبَّةُ مَا يُحِبُّهُ، وَكَرَاهَةُ مَا يَكرَهُهُ، فَمَن أَحَبَّ شَيئاً مِمَّا يَكرَهُ اللَّهُ، أَو كَرِهَ شَيئاً مِمَّا يُحِبُّهُ اللَّهُ لَم يَكمُل تَوحِيدُهُ وَلا صِدْقُهُ في قَولِ: «لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ»، وَكَانَ فِيهِ مِن الشِّركِ الخَفِيِّ بِحَسبِ مَا كَرِهَهُ مِمَّا يُحِبُّهُ اللَّهُ، وَمَا أَحَبَّهُ مِمَّا يَكرَهُهُ، قَالَ تَعَالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [مُحَمَّد:28].
قَالَ اللَّيثُ عَن مُجَاهِدٍ في قَولِهِ تَعَالى: {لاَ يُشْرِكُونَ بِيْ شَيْئَاً} [النور:55]، قَالَ: لا يُحِبُّونَ (¬1) غَيرِي (¬2).
وفي «صَحِيحِ الحَاكِمِ» عن عائِشةَ - رضي الله عنها - عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال: «الشِّركُ (¬3) أَخفَى مِن دَبِيبِ الذَّرِّ عَلَى الصَّفَا فِي اللَّيلَةِ الظَّلمَاءِ،
¬__________
(¬1) وقع في نسخة الأصل: «لا يُحِبُّوا» بحذف النون على الجزم، والمثبت من نسخة (ب) وبقية مصادر التخريج، وهو الصواب لغة، فإن «لا» نافية وليست ناهية.
(¬2) قول مجاهدٍ هذا لم أقف عليه في شيءٍ من كتب التفاسير المسنَدَة، ووجدتُه عند أبي نعيم في «حلية الأولياء» (3/ 296)، بينما أخرج ابنُ جريرٍ (19/ 210) وغيرُه من طريق الليث عن مجاهدٍ أنَّه قال في تفسيرها: (لا يخافون غيري)، فإن كان هذا الاختلافُ عن مجاهدٍ محفوظاً فيكون له في تفسير الآية قولان، وتفسيرها بنفي الخوف قد ورد عن ابنِ عبَّاس أيضاً، وانظر - في توجيه تفسيرها بذلك - «روحَ المعاني» لأبي الثناء الألوسي (9/ 394).
(¬3) وقع في نسخة (ب) هنا زيادة: [في هَذِهِ الأُمَّة]، ولم أجد هذه الزيادة في المطبوع من «مستدرك الحاكم».
الصفحة 84
167