كتاب شرح كلمة الإخلاص لابن رجب
فَإِنَّ مَن امْتَلأَ قَلبُه مِن مَحَبَّةِ الله لَمْ يَكُن فِيهِ فَرَاغٌ لِشَيءٍ من إِرَادَاتِ النَّفْسِ وَالهَوَى، وَإِلى ذَلِكَ أَشَارَ القَائِلُ بِقَولِهِ (¬1):
أَرُوحُ وَقَد خَتَمتَ عَلَى فُؤادِي ... بِحُبِّكَ أن يَحُلَّ بِهِ سِوَاكَ
فَلَو أَني استَطَعتُ غَضَضْتُ طَرْفِي ... فَلَم أَنْظُرْ بِهِ حَتَّى أَرَاكَا
أُحِبُّكَ لا بِبَعْضِي بَلْ بِكُلِّي ... وَإِنْ لَمْ يُبْقِ حُبُّكَ لي حِرَاكَا
وَفي الأَحْبَابِ مَخْصُوصٌ بِوَجْدٍ ... وَآخَر يَدَّعِي مَعَهُ اشْتِرَاكَا
إِذَا اشْتَبَكَتْ (¬2) دُمُوعٌ في خُدُودٍ ... تَبَيَّنَ مَن بَكَا مِمَّنْ تَبَاكَى
فَأَمَّا مَن بَكَى فَيَذُوبُ وَجْدَاً ... وَيَنْطِقُ بِالهَوَى مَن قَد تَشَاكَا
مَتَى بَقِيَ لِلمُحِبِّ مِن نَفْسِهِ حَظٌّ فَمَا بِيَدِهِ من المَحَبَّةِ إِلاَّ الدَّعْوَى، إِنَّمَا المُحِبُّ مَن يَفْنَى عَن [هوى] نَفْسِهِ كُلِّهِ، وَيَبْقَى بِحَبِيبِهِ، فَبِي يَسْمَعُ، وَبِي يُبْصِرُ.
القَلبُ بَيتُ الرَّبِّ، وفي الإِسرَائِيلِيَّات يَقُولُ الله: (مَا وَسِعَنِي سَمَائِي وَلا أَرْضِي، وَلَكِن وَسِعَنِي قَلْبُ عَبدِي المُؤمِن) (¬3).
¬__________
(¬1) هذه الأبيات من قصيدة للمتنبي يمدح بها أبا شجاعِ عَضُد الدَّولة، مطلعها:
فِدًى لكَ مَن يُقَصِّرُ عَن مَدَاكَا ... فَلاَ مَلِكٌ إِذَنْ إِلاَّ فِدَاكَا
ولم أر البيتين -الثالث والسادس- من ضمن أبيات القصيدة، فلعلهما في رواية أخرى لها.
ينظر: «ديوان المتنبي بشرح أبي البقاء» (2/ 385 وما بعدها)، و «شرح ديوان المتنبي» للبرقوقي (3/ 123 وما بعدها).
(¬2) وقع في نسخة (ب): اسْتَكَبَت.
(¬3) سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا الأثر - كما في «مجموع الفتاوى» (18/ 370) - فقال: (هذا ما ذَكَرُوهُ في الإسرائيليات ليسَ لَهُ إسنَادٌ مَعرُوفٌ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ومعنَاهُ: وَسِعَ قَلبُهُ مَحَبَّتِي ومَعرِفَتِي، وما يُروَى: «القَلبُ بَيتُ الرَّبِّ» هذا مِن جِنسِ الأَوَّلِ، فإِنَّ القَلبَ بَيتُ الإِيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى ومَعرِفَتِهِ ومَحَبَّتِهِ ....).
وقال عنه العراقي في «تخريج أحاديث الإحياء» (3/ 15): (لم أَرَ لَهُ أصلاً).
الصفحة 92
167