كتاب الإكليل في استنباط التنزيل

هذه الفنون التي أخدتها الملة الإسلامية منه، وقد احتوى على علوم أخر من علوم الأوائل مثل الطب، والجدل، والهيئة، والهندسة، والجبر والمقابلة، والنجامة، وغير ذلك.
أما الطب فمداره على حفظ نظام الصحة، واستحكام القوة، وذلك إنما يكون باعتدال المزاع تبعاً على الكيفيات المتضادة، وقد جمع ذلك في آية واحدة وهي قوله: {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} .
وعرفنا فيه بما يعيد نظام الصحة بعد اختلاله وحدوث الشفاء للبدن بعد اعتلاله في قوله: {شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} .
ثم زاد على طب الأجساد بطب القلوب وشفاء الصدور.
وأما الهيئة ففي تضاعيف سوره من الآيات التي ذكر فيها من ملكوت السموات والأرض، وما بث في العالم العلوي والسفلي من المخلوقات.
وأما الهندسة ففي قوله: {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ}
فإن فيه قاعدة هندسية وهو أن الشكل المثلث لا ظل له.
وأما الجدل فقد حوت آياته من البراهين والمقدمات والنتائج والقول بالموجب والمعارضة وغير ذلك شيئاً كثيراً، ومناظرة إبراهيم أصل في ذلك عظيم.
وأما الجبر والمقابلة فقد قيل إن أوائل السور ذكر مدد وأعوام وأيام لتواريخ أمم سالفة، وأن فيها تاريخ بقاء هذه الأمة وتاريخ مدة الدنيا وما مضى وما بقي مضروب بعضها في بعض.

الصفحة 16