كتاب غريب القرآن لابن قتيبة ت أحمد صقر

ولو أن قائلا قال في خَزَنة النار: إنهم عشرونَ، وإنما جعلهم تسعةَ عشرَ لرأس الآية - كما قال الشاعر:
نحنُ بَنُو أُمِّ البَنِينَ الأَرْبَعة (1)
وإنما هم خمسة فجعلهم للقافية أربعة -: ما كان في هذا القول إلا كالفراء.
54- {بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} قال الفراء (2) : "قد تكون البِطانةُ ظِهارةً، والظهارةُ بطانةً. وذلك: أن كل واحد منهما [قد] يكون وجهًا؛ تقول العرب: هذا ظهر السماء، وهذا بطن السماء -لـ[ظاهرها] الذي تراه. (قال) : وقال ابن الزُّبير- وذكر قَتَلةَ عثمانَ رضي الله عنه-: "فقتلهم الله كل قِتْلَةٍ، ونجا من نجا منهم تحت بطون السماء والكواكب"؛ يعني: هربوا ليلا".
وهذا أيضا من عَجَب التفسير. كيف (3) تكون البِطانةُ ظِهارةً، والظِّهارةُ بِطانةً - والبِطانةُ: ما بَطَن من الثوب وكان من شأن الناس إخفاؤه؛ والظِّهارةُ: ما ظَهَر منه وكان من شأن الناس إبداؤه؟!.
وهل يجوز لأحد أن يقول لوجهِ مصلًّى: هذا بِطانته؛ ولما وَلِيَ الأرضَ منه: هذا ظِهارتُه؟!.
وإنَّما أراد الله جل وعز أن يعرفنا -من حيثُ نفهم- فضلَ هذه الفُرش
__________
(1) ورد في تأويل المشكل 154 منسوبا للبيد. وعجزه - كما في ديوانه ص 7:
*ونحن خير عامر بن صعصعة*
وانظر هامش المشكل.
(2) اللسان 6/194 و 16/201، والبحر 8/197، وتفسير الشوكاني 5/137 - ببعض اختصار. وكذلك ذكر في الطبري 27/87 عن بعض أهل العلم بالعربية. وروى القرطبي 17/179-180 هذا الرأي عن الحسن وقتادة والفراء؛ ثم ذكر بعض كلام الفراء غير مضاف إليه. وراجع الدر 6/147.
(3) هذا الرد قد ورد مختصرا في اللسان 6/194 و 16/201-202 غير منسوب إلى ابن قتيبة؛ وفي الشوكاني منسوبا له، وفي القرطبي منسوبا له مع غيره.

الصفحة 441